سليمان جودة
أظن أن الإعلام كله مدعو، هذه الأيام، إلى أن يشرح للناس فى هذا البلد أبعاداً جديدة، قد لا تراها الغالبية منهم، فى أحداث العنف الثلاثة التى وقعت مؤخراً، ابتداء من تفجيرات المترو المتزامنة، مروراً بحادث سنترال أكتوبر، وانتهاء بما جرى على مقربة من القصر الجمهورى.
الإعلام كله، لا بعضه، مدعو إلى أن يقول لكل مواطن إن الإرهاب المتأسلم، أى الذى يمارس العنف ضدنا، تحت راية الإسلام، كان يمارسه، فى فترة مضت، ضد الجيش، بيت الوطنية الأول فى بلدنا، وضد الشرطة كجهاز عتيد، فإذا به يتحول عنهما إلى تسديد ضرباته نحو قلوب المواطنين أنفسهم.. وإلا.. فما علاقة البنت البريئة التى سقطت فى سنترال أكتوبر، وما علاقة أمها التى لحقت بها.. ما علاقتهما معاً بالموضوع من أوله إلى آخره؟!
لقد يئس الإرهاب المتأسلم من أن ينال من الجيش المصرى العظيم، أو من الشرطة، بأى مقدار، ولقد اكتشف ممولو هذا الإرهاب، ومنظموه، والواقفون من ورائه، أن كل ما خططوا له، من أجل أن ينالوا به من الجيش، أو من الشرطة، قد زادهما قوة، وصلابة، وشجاعة، وعزماً، وتصميماً، فتحول المخططون إلى أبرياء الشارع، يضربونهم ضرباً عشوائياً، وفى أى اتجاه!
ولابد أن ممولى هذا الإرهاب الأعمى قد فعلوا ذلك على أمل أن يثيروا الناس، وأن يفجروا غضبهم، وأن يستثيروا سخطهم، لولا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولن يحدث، ولولا أن ممولى الإرهاب، ومخططيه سوف يتبين لهم، فى النهاية أن حظهم من النجاح، هذه المرة، لن يختلف عن حظ سابق، وأنهم سوف يعودون من هذه الجولة الجديدة، كما عادوا من جولات سابقة، وفى أيديهم صفر كبير!
هم يفعلون ذلك، بعد أن غاظهم أن ننجح فى استحقاقين لخريطة الطريق، هما الدستور، وانتخابات الرئاسة، ويفعلون ذلك بعد أن ساءهم أن يأتى عبدالفتاح السيسى رئيساً بهذه الشعبية، وهذا التأييد، وهذه الثقة من مواطنيه، ويفعلون ذلك بعد أن فاجأهم الرجل برحلة ناجحة فى أفريقيا، سدد خلالها ثلاثة أهداف فى مرماهم، بدءاً بالجزائر، مروراً بغينيا الاستوائية، وانتهاء بالسودان.
وإذا كان هناك درس لنا فى هذه التفجيرات اليائسة، فهذا الدرس هو أن الذين تربصوا بهذا البلد، بامتداد ثلاث سنوات ونصف السنة، لم ييأسوا، ولايزالون كلما أصيبوا بخيبة، حاولوا من جديد، ولايزالون يكتشفون، فى كل مرة، أنهم أمام شعب لا يعرف الهزيمة، ولن يعرفها، ومع ذلك فإنهم يحاولون فى يأس واضح!
الدرس الباقى لنا، والذى يجب أن يبقى، وأن يكون ماثلاً أمام أعيننا، طول الوقت، أن الذين يتربصون بنا، من بيننا، أو خارج حدودنا، قد حز فى أنفسهم للغاية أن يكون للبلد، فى ظرف عام فقط من إزاحة الإخوان بعجزهم، وفشلهم، وخياناتهم، دستور جديد، ورئيس جديد محاط بثقة مدهشة من رعاياه.
لقد حز ذلك فى أنفسهم لأبعد حد، فكان ما كان مما رأينا، وتابعنا، من عنف أعمى، يضرب فى أى اتجاه، ودون تمييز، غير أن ذلك كله لن يؤدى إلى شىء، وسوف ترتد السهام إلى صدور أصحابها، وسوف يفشلون الآن، وغداً، كما فشلوا بالأمس، لا لشىء، إلا لأن فى البلد جيشاً، وشرطة، ومن ورائهما شعب يؤمن بهما تماماً، وينصرهما دوماً على كل ما سواهما.
"المصري اليوم"