سليمان جودة
ماذا أراد الذين خططوا لانفجارات المترو صباح أمس؟! هل أرادوا التشويش على رحلة الرئيس إلى الجزائر، ثم إلى قمة الاتحاد الأفريقى فى غينيا الاستوائية؟!.. يجوز.. أم أرادوا تعطيل الناس ودفعهم إلى التظاهر وإلى الغضب؟!.. ربما.. أم أرادوا أن يقولوا إن الأمن فى البلد لم يستقر بعد كما قد نتصور نحن، ثم نصوِّر ذلك للخارج؟!.. أمر محتمل!
كل هذا وارد، وقائم، غير أن ما حدث أن هدفاً واحداً من كل هذه الأهداف لم يتحقق، وقد طاشت سهام مخططى الانفجارات جميعها، لأنه لا التشويش على الرحلة الرئاسية حصل، ولا الناس تعطلوا وغضبوا وثاروا، بل العكس هو الذى جرى، عندما عادت حركة المترو لطبيعتها بعد دقائق، ولا.. ولا.. إلى آخره!
ليس هذا فقط، وإنما علينا أن نتذكر أن الرئيس بدا فى حديثه فى الكلية الحربية صباح أمس الأول، وكأنه كان يحس بشىء من هذا، عندما أشار إلى تحديات الأمن فى الداخل، وفى خارج حدودنا، ثم ركز على الأولى منها بشكل خاص!
نتجاوز الانفجارات، إذن، لأنها تبدو مهما كان حجمها، وتوقيتها، وكأنها لعب عيال، ثم كأنها محاولات يائسة من ناس يئسوا أن ينالوا من هذا البلد، فراحوا يضربون فى كل اتجاه، وأى اتجاه، عشوائياً، كما تابعنا وكيفما اتفق!
نتجاوزها لنقف عند الأهم، وهو حديث الرئيس فى الكلية الحربية عن عجز الموازنة العامة للدولة المتزايد، وكيف أنه رفض التوقيع عليها لهذا السبب، وأعادها إلى الحكومة، ثم كيف أن على المصريين أن يرشدوا من استهلاكهم فى رمضان، وأن يضحوا من أجل بلدهم، فى الداخل وفى الخارج.
كان حديث الرئيس صادقاً حقاً، وكان أميناً مع نفسه، ومع الناس، وأظن أن كلامه التلقائى قد مس وجدان كل مصرى محب لهذا الوطن، خصوصاً فى اللحظة أو اللحظات التى غامت عيناه فيها بالدموع وهو يتكلم ويروى عن حجم التحديات التى سوف يكون عليه، وعلينا أيضاً معه، أن نقهرها، إذ لا بديل آخر أمامنا!
وقد بدأ الرئيس بنفسه، فتنازل للدولة عن نصف راتبه الشهرى، ونصف ثروته، وهو ما تناولته صباح أمس فلا أعود إليه، وهو أيضاً ما يظل الرئيس مشكوراً للغاية عليه. وإذا كان الرئيس قد دعا المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك فى رمضان، فالدعوة بشكلها العام هكذا، لن تؤدى إلى شىء، لأنه لابد يا سيادة الرئيس أن تقول للناس ماذا عليهم أن يفعلوا بالتحديد، وهو ما كان قد حدث منك مع استهلاك الكهرباء مثلاً، عندما قلت، وكنت وقتها لاتزال مرشحاً رئاسياً، بأن الترشيد فى الكهرباء له أكثر من طريق، ومن بينها تعميم استخدام اللمبات الموفرة فى البيوت.. فهكذا يكون الأمر، وهكذا يكون تقديمه لكل مواطن.
وليس من الممكن أن تطلب من المواطنين ترشيد استهلاكهم ثم لا تبدأ الدولة، كدولة، بنفسها، ومعها الحكومة، حتى تقتنع الغالبية من مواطنينا بأن المسألة جد فعلاً، وأن لها خطوات ومبادرات بدأت بها الحكومة فطبقتها علناً على نفسها، ولم تتكاسل.
لقد تحدث الرئيس عن الحد الأقصى للأجور، ولا نعرف ماذا سوف يفعل هو فى هذا الاتجاه، ولكن ما نعرفه أن الناس يسمعون أرقاماً عن أجور فى الدولة تدفع إلى اليأس، وإلا فما معنى أن يتقاضى نائب رئيس بنك حكومى 2.050.180 جنيها فى الشهر.. يعنى مليونين وخمسين ألفاً ومائة وثمانين جنيهاً!!
هذه مجرد حالة، وإلى جوارها حالات بلا عدد أستطيع أن أسردها بالأسماء والأرقام، وليس من الممكن مطالبة المواطن صاحب الجنيهات المعدودة بالترشيد، وهو يرى ويسمع عن مثل هذا الجنون فى الرواتب، ولسان حاله يقول: تقتير هنا، وإسراف هناك!
"المصري اليوم"