سليمان جودة
نبدأ من الآخر.. فخلال يومين، يومين فقط، هما أمس السبت، وأمس الأول الجمعة، سقط مجند فى الجيش شهيداً برصاص مجهولين فى العريش، وانفجرت قنبلتان فى أحد نوادى طنطا، بما أدى إلى إصابة عشرة من رجال الشرطة، وأطلق مجهولون النار على كمين للجيش فى طريق السويس الصحراوى بما أدى أيضاً إلى سقوط مصابين.. كل هذا الإرهاب فى 48 ساعة!
خلال هذين اليومين، تحديداً، كانت الدنيا تمتلئ بكلام، فى كل اتجاه، عن مؤتمر جدة، الذى انعقد الخميس، بحضور وزراء خارجية 12 دولة، فيما سمى تحالفاً دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، للقضاء على الإرهاب الذى يمارسه تنظيم «داعش» فى العراق تارة، وفى سوريا تارة أخرى!
ولست أبالغ فى شىء، إذا قلت إن أقوى «رسالة» خرجت من المؤتمر كانت من جانب القاهرة، وكانت على لسان وزير خارجيتنا سامح شكرى دون سواه.
إذ ما كاد الوزراء الإثنا عشر يتحلقون حول مائدة الاجتماع، حتى أطلق «شكرى» رسالتين كانت كل واحدة منهما أقرب إلى الرصاصة منها إلى أى شىء آخر!
قال وزير الخارجية، ما معناه، إن الكلام عن ملاحقة إرهاب «داعش» دون الكلام عن وقف تمويله، من جانب أطراف إقليمية معروفة للعالم كله، ولواشنطن بشكل خاص، إنما هو نوع من العبث الذى ترفضه مصر، وهى لا ترفضه، فقط، وإنما تفضحه فى كل محفل عام، ولا تتوقف عن ذلك أبداً.
ثم قال وزير خارجيتنا ما هو أهم، عندما صاح بما أحرج وزير خارجية الولايات المتحدة على الملأ، وكيف أن ملاحقة الإرهاب لا تتجزأ، ولا يمكن قسمتها على اثنين بأى حال، لأن «داعش» إذا كان، كتنظيم، يمارس إرهاباً، فإن مصر تسأل الذين اجتمعوا لملاحقته، عن اسم ما يمارسه الإخوان فى حقها، وحق شعبها، منذ 30 يونيو 2013؟!
هل يمارس الداعشيون إرهاباً فى سوريا، وفى العراق، ويمارس الإخوان سلاماً مع المصريين، على مدى عام وبعض العام، أم أن الإرهاب إرهاب، أياً كان الذى يمارسه؟!
رسالتان هما الأقوى فى المؤتمر كله، وأظن أنهما كانتا محرجتين لوزير الخارجية الأمريكى بما يكفى، وأظن، كذلك، أنهما كانتا كاشفتين وزيادة، وأظن للمرة الثالثة أنهما وضعتا الأمور حيث كان يجب أن توضع، وفى مكانها بالضبط!
بقى أن نعرف أن تركيا حضرت المؤتمر من خلال وزير خارجيتها، ثم خلا البيان الختامى تماماً من توقيعه مع سائر الوزراء الحاضرين، وهى مسألة يجب كشفها للرأى العام، فى كل وقت، ويجب كشف معناها الذى يشير إلى شىء واحد، لا ثانى له، وهو أن أردوجان يغذى إرهاب داعش، ويموله، ويسلحه، ويرعاه، ثم لا يجد أى حياء فى أن يرسل وزير خارجيته إلى مؤتمر يقول إنه يريد القضاء على ذلك كله.. كيف بالله؟!
ما أقوى الرصاصتين اللتين ذهب سامح شكرى إلى المؤتمر بهما فى جيبه، لقد مزق بهما أستاراً كان لابد أن تتمزق أمام كل ذى عينين، ليرى الجميع، بوضوح، من بالضبط يقاوم الإرهاب، ومن يغذيه ويطعمه؟!