بقلم سليمان جودة
كيف يأتى إذن؟!.. يأتى معيناً من البرلمان، ويقضى فى منصبه ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويختار بعد تعيينه ثلاثة نواب له، يقرهم البرلمان أيضاً!
وماذا أيضاً؟!.. لا تتوقف حدود رقابته عند طريقة إنفاق المال العام فقط، ولا عند حدود السياسة المالية للحكومة وحدها، ولكن رقابته تمتد إلى السياسة النقدية للبنك المركزى ذاتها، وبالتالى، فإنه يملك يداً عليا فيما يتصل بالفلوس فى البلد، سواء عند طباعتها فى البنك المركزى، أو عند إنفاقها من جانب الحكومة!
وعندما عرضوا علينا، هناك، بياناً بحجم الأموال التى أنقذها الجهاز، من كل أشكال الإهدار، وأعادها إلى الخزانة العامة للدولة، لأنها أموال الناس، وليست أموال الحكومة، ولا أى مسؤول يعلو الحكومة، سألت نفسى عن مدى قدرة رئيس جهاز المحاسبات - مثلاً - فى هذا الاتجاه، وكان الجواب الذى سمعته يتردد فى داخلى، ليس فى صالحنا، ولا فى صالح المال العام، بكل أسف!
لماذا؟!.. لأن البرلمان الحالى، وافق بسهولة شديدة، على قانون كان قد صدر بقرار، قبل تشكيله كبرلمان، وهو قانون أعطى رئيس الدولة حق إبعاد رئيس أى جهاز رقابى، سواء كان «المحاسبات» أو غيره، عن منصبه، دون عودة إلى البرلمان، ولا غير البرلمان!
يومها قلت، وكان ذلك فى أول أيام انعقاد البرلمان الجديد، فى بدايات يناير الماضى، إن البرلمان ما كان له أن يقر هذا القانون بهذه السهولة أبداً، لأن إقراره معناه أن يكون مصير رئيس أى جهاز رقابى فى يد الرئيس وحده، وهو وضع سوف لا يكون عملياً، فى صف الرقابة الحقيقية على المال العام، بأى صورة!
وكيف يكون القانون فى هذا الصف، بينما رئيس الجهاز الرقابى.. أى جهاز.. يعرف مقدماً أن عمله فى الرقابة على كل قرش من المال العام، لو جاء على غير رضا رأس الدولة بأى معنى من المعانى.. أقول لو.. وهذا وارد طبعاً - فإن إبعاده عن منصبه، سوف يجرى فى الحال.. كيف يستطيع رئيس الجهاز الرقابى، أن يمارس مهام عمله دون خوف، فى ظل وضع من هذا النوع؟!
كيف يا أيها الذين وافقتم على القانون ومررتموه دون إدراك عواقبه؟!.. فى المقابل، فإن رئيس الجهاز البولندى يمارس عمله، مستنداً إلى قوة البرلمان الذى اختاره، ثم إلى حقيقة أخرى مهمة، هى أن البرلمان فى الأصل، يراقب أيضاً، أعمال الحكومة، فكأنهما، جهاز الرقابة والبرلمان معه، يكملان بعضهما البعض، وكأن البرلمان عندنا يفرغ عمل الجهاز الرقابى من محتواه، ويجعله صورة لا مضموناً يقوم على أساس!