سليمان جودة
لا أعرف ما الذى يمكن أن يقوله رجل مثل الدكتور صبرى الشبراوى، بينه وبين نفسه، حين يقرأ العبارة التى جاءت فى صدر الصفحة الأولى، من «المصرى اليوم» أمس الأول، على لسان الدكتورة عبلة عبداللطيف، رئيسة المجلس الاقتصادى بالرئاسة، خلال حوار جرى معها على صفحتين كاملتين داخل الصحيفة؟!
العبارة كانت تقول، إن المجلس الذى ترأسه د. عبلة، يدرس تأجير مصانع القطاع العام المتوقفة عن العمل!
وعندما تتحرى أنت أصل العبارة فى نص الحوار الذى أجراه الزميلان محمود رمزى ومحمد عبدالعاطى، تكتشف أن صاحبته تقول، إن من بين الأفكار التى يدرسها المجلس، تأجير مصانع القطاع العام المتوقفة عن العمل، دون المساس بحقوق العمال!
أما لماذا الدكتور الشبراوى تحديداً، فلأن الرجل يبقى واحداً من رواد التنمية البشرية فى البلد، ولأنى كلما وجدته بعيداً عن أهل القرار عندنا، أحسست بأننا لانزال نسعى بكل همة فى الطريق الخطأ، ولأن ابتعاده، أو بمعنى أدق إبعاده عن أن يكون صاحب رأى فيما يجرى حولنا، مع آخرين مثله، معناه أننا لانزال ننمى الحجر، ونهيل التراب على البشر، بكل ما لذلك من عواقب شديدة الخطر!
هذه واحدة.. والثانية أن الرجل قد انقطع صوته، من طول التنبيه إلى أن الدولة التى تفكر فى تأجير مصانع القطاع العام المتوقفة عن العمل - مثلاً - بينما عندها فى البنوك تريليون و200 مليار جنيه تنتظر التشغيل فى السوق، هى دولة لاتزال تتلمس خطواتها على طريق الصواب بصعوبة بالغة، ولم تكتمل لها خطوة واحدة صحيحة عليه بعد!
والتريليون لمن لا يعرف، ألف مليار، وبلغة أخرى هو رقم واحد وأمامه 12 صفراً، فإذا أضفنا إليه 200 مليار، أى 200 ألف مليون جنيه، فأرجو ألا يكون دماغك قد أصابه الدوار، وأنت تجمع وتطرح، ثم تتخيل حجم هذه الأموال المكدسة فى البنوك.. لأن الدوار الحقيقى لابد أن يصيبك، عندما تعلم، أن أمام الدولة أن تطرح مثل هذه المصانع المتوقفة عن العمل، للاكتتاب العام، لتكون ملكية خالصة للمصريين أصحاب هذه الأموال، كل واحد حسب حجم أسهمه، ومع ذلك، فإنها لا تفكر فى هذا، ولا يأتى هذا على خاطرها، ولكنها تفكر فى تأجير المصانع مع الحفاظ على حقوق العمال!
وهى تنسى أن حقوق العمال التى تتكلم عنها، وتريد الحفاظ عليها، تقابلها واجبات على كل عامل فيهم، وهذه الواجبات لن يؤديها صاحبها، إلا إذا كان مؤهلاً لأن يؤديها، وهو لن يكون مؤهلاً، إلا إذا أشركنا معنا، كحكومة، أهل التنمية البشرية الأصلاء، وعلى رأسهم الدكتور الشبراوى، وعندها، سوف نكون أمام عامل مؤهل لما يجب أن يفعله، وأمام رأس مال متراكم فى البنوك كالجبال فى انتظار من يوظفه التوظيف الصحيح، لا التوظيف الخاطئ الذى يتم الآن، ثم أمام إدارة من بعد ذلك كله، لابد من اختيارها بدقة، فى كل مصنع، والباقى نعرفه، أو يعرفه العالم الناهض الذى يفكر بهذه الطريقة، ويعرف كيف يوظف إمكاناته البشرية، ثم المادية، فى الاتجاه الصحيح، وفى المكان الصحيح!
المصنع المنتج، هو إدارة ناجحة، وعامل مؤهل، ورأس مال متاح، وكلها، كما ترى، فى متناول أيدينا، غير أن أيدينا تظل فى حاجة إلى عقل فى رؤوسنا يحركها، ولكن المشكلة أن هذا العقل قد شح فيما يبدو، فى الأسواق هذه الأيام!.. وإلا.. فما معنى أن تكون عندنا كل هذه الأموال المتلتلة، وكل هذه المصانع المغلقة؟!
بعض من العقل قادر على أن يبدد بؤسنا!