سليمان جودة
حين كنت فى دبى، فى مايو الماضى، أهدانى الشاب السيناوى فيصل سليمان أبومزيد كتابه الجديد: سيناء.. المكان والإنسان.
وكنت على مدار شهرين بعدها أحاول أن أقدم الكتاب للسادة القراء، خاصة أنه كتاب يستحق فعلاً، لولا أن المسألة كانت تتأجل فى كل مرة، لأن الأحداث التى نعيشها لا تترك لأى كاتب فرصة الالتفات عنها إلى غيرها!
ولابد أن ميزة هذا الكتاب الصادر عن الدار الثقافية للنشر، أنك تستطيع أن تلتهمه فى ساعة، وأنك سوف تجد فيه كل شىء عن سيناء، من أول خريطة المدن فيها جنوباً وشمالاً، ومروراً بخريطة أخرى، مكتوبة وليست فقط مرسومة، لجبالها، ووديانها، وشواطئها، ورمالها، وزراعتها، وسياحتها، وآثارها، وثرواتها بالعموم، ثم انتهاءً بقبائلها، وعاداتها، وتقاليدها، وتراثها كله فى الإجمال!
هناك بالطبع كتابات كثيرة عن سيناء، ولكن الفارق هذه المرة أنك سوف تكون أمام سيناوى يكتب عن سيناء.. أمام مواطن يكتب عن أرضه، بكل ما بين المواطن فى مصر بشكل عام، وفى سيناء بشكل خاص، وبين الأرض، من حميمية، وارتباط لا ينهيه سوى الموت!
وربما كان الوقت أنسب جداً، هذه الأيام، لأن أشير لك إلى بعض ما فى هذا الكتاب المهم، ثم لأن تقتنيه أنت، وتحرص عليه فى بيتك.
أما لماذا هذه الأيام، فلأن ما حدث يوم الأربعاء الماضى، أول يوليو، عندما جرَّب إرهابيون استعراض عضلاتهم فى سيناء، قد أثبت شيئين لا ثالث لهما، أحدهما للعالم من حولنا، والثانى لنا.
أما الذى للعالم فهو أن كل إرهابى جبان سوف يجرِّب أن يمارس إرهابه من فوق أرض سيناء، فإن الهلاك، ثم الهلاك، ثم الهلاك، سوف يكون فى انتظاره، وليس أدل على ذلك من جثث الـ230 إرهابياً، التى تناثرت أشلاء على الرمال فى لحظة طوال نهار الأربعاء، فأدرك الذين أرسلوهم، والذين مولوهم، والذين دعموهم، بالمال، وبالسلاح، أنهم أخطأوا التقدير، وأخطأوا العنوان!
وأما الذى لنا، فهو أن عندنا بفضل الله تعالى جيشاً من حقنا أن نظل نزهو به ونفخر مدى الدهر، ومن واجبنا جميعاً أن نكون ظهيراً له فى كل موقف دون استثناء، وأن يفهم الذين أخطأوا التقدير، ومعه العنوان، أن ما بين المصريين وجيشهم ليس كمثله شىء فى أى بلد آخر.
وإذا كان المؤلف قد اختار اللواء مراد موافى ليقدم للكتاب، فلقد كان اختياراً فى مكانه، وفى محله تماماً، لأنه ليس أفضل من اللواء موافى، فى مقام الإشارة إلى جهد واحد من أبناء هذه المنطقة الغالية على قلب كل مصرى.. لقد عرفها «موافى» ضابطاً متخرجاً فى الكلية الحربية، بعد 67، وضابطاً فى الصاعقة، فى أثناء نصر 73 المجيد، ومحافظاً لشمالها فيما قبل 25 يناير 2011، ثم عرفها فى كل الأحوال مواطناً لا تغيب عيناه عنها!
رسالة الكتاب أننا، كمواطنين، فى حاجة لأن نقترب من سيناء أكثر، وأننا لكى نقترب منها لابد أن نعرفها، ولكى نعرفها لابد أن نقرأ عنها معلومات كاملة وصحيحة، وهو بالضبط ما يضعه هذا الكتاب بين يديك، مذكراً إياك، فى كل سطر منه، بما كان الشيخ عيد التياها، أسد مدينة الحسنة هناك، قد قاله للدنيا كلها، بأعلى صوت، فى يوم 31 أكتوبر 1968، أما ما قاله ذلك الأسد السيناوى فهو قصة أخرى تستأهل أن أعود إليها بإذن الله، ليرى الجبناء الذين أخطأوا التقدير، وأخطأوا العنوان، أن حساباتهم كلها كانت خطأ فى خطأ، من المبتدأ إلى المنتهى!