سليمان جودة
من حق الولايات المتحدة الأمريكية أن ترشح شيطاناً، ليكون سفيراً لها فى القاهرة.. هذا حقها المطلق.. غير أن من حقنا الكامل، فى المقابل، أن نرفض ترشيحها، إذا بدا أنه غير مناسب لنا، وأن نطلب ترشيحاً آخر، خاصة أن عندنا سابقة فى ذلك، ثم إن الأعراف الدبلوماسية تسعفنا، ولا تخذلنا!
لقد حدث من قبل، وفى أعقاب رحيل سفيرتهم السابقة، الشيطانة آن باترسون، فى أول سبتمبر الماضى، أن رشحوا شخصاً ليكون سفيراً لهم، خلفاً لتلك السفيرة التى غادرت القاهرة مصحوبة باللعنات، على المستويين الشعبى والرسمى، وبدا أيضاً، من أول لحظة، أن ذلك الترشيح الجديد لن يكون مقبولاً منا، لأن الشخص الذى رشحوه، بعدها، كان قد جاء إلينا من سوريا، وكانت أنباء مهمته الهدامة فى دمشق على كل لسان، وكانت سمعته، كدبلوماسى، تقول إنه لا يحل فى بلد إلا وأشاع الفوضى فيه بكل طريقة ممكنة!
وقتها رفضت الحكومة المصرية ترشيحه، بعد أن أثار الترشيح ذاته عاصفة من الرفض فى وسائل الإعلام، وقد سحبته واشنطن فى هدوء، ويبدو أنها كانت تعرف مسبقاً أنه سيكون مرفوضاً بالثلاثة، ويبدو أيضاً أن ترشيحه كان بالون اختبار.. لا أكثر!
وبقيت سفارتهم دون سفير كل هذه الفترة، من سبتمبر إلى الآن، إلى أن فوجئنا، أول هذا الأسبوع، بأنهم قد رشحوا شخصاً اسمه بيكروفت، سفيراً عندنا، وبدا كذلك، من القراءة الأولى لسيرته التى تسبقه، أنه لا يختلف كثيراً عن المرشح السابق عليه، لأنه، أى هذا المرشح الجديد، قد خدم فى العراق، ولا نظن، والحال كذلك، أن حال بغداد، فى ظل وجوده فيها، كان أفضل من حال دمشق، عندما كان زميله يشيع الخراب فى أنحائها!
ما يحيرنى ليس توقيت الترشيح، الذى يبدو مثيراً لأكثر من علامة استفهام فى حد ذاته، ولا حتى يحيرنى أنه رجل مخابرات متخصص فى أعمال الدسائس، والمؤامرات، والانقلابات، فهذا هو عهد أغلب سفرائهم فى أكثر من دولة، ولم تكن سيئة الذكر «باترسون» بعيدة عن هذه الدائرة!
ما يحيرنى، حقاً، أن الخارجية المصرية أعلنت، فى نفس يوم ترشيحه، أنه قد تم قبوله من جانبنا، وهو ما لا أفهمه أبداً، قياساً على ما جرت العادة عليه، فى مثل هذه الحالات، وعند ترشيح أى سفير ليكون ممثلاً لبلاده فى أى دولة!
فالعادة الدبلوماسية قد جرت على أن تكون هناك فترة زمنية فاصلة بين الترشيح وبين إعلان القبول من جانب الدولة التى سيذهب إليها السفير.. أى سفير.. حتى تكون الفرصة متاحة أمام الحكومة لدراسة تاريخ الشخص المرشح، ثم إعلان قبوله أو رفضه، فلا يكون أمام حكومته بديل عن ترشيح شخص آخر فى مكانه.
حدث هذا مراراً، من جانبنا، ومن جانب غيرنا، ولذلك، فمازلت عاجزاً عن فهم سر الإعلان عن قبول ترشيح بيكروفت هذا، فى نفس يوم الإعلان عن ترشيحه، وكأنه مفروض علينا فرضاً، أو كأننا لا نملك رفضه!
القاهرة لا ينقصها شياطين فى صورة سفراء، كما أن سيرة هذا المرشح، وسمعته فى العراق، وما قيل ويقال عنه، منذ مجرد الإعلان عن اسمه، تجعلنا نتحسب، ونتمهل، ولا نوقع على أوراق ترشيحه على بياض بأى حال!
نقلا عن جريدة "المصري اليوم"