بقلم سليمان جودة
فى صالونه الثقافى الشهرى، الذى يقيمه فى مقر إقامته، أراد السفير أحمد قطان، ممثل خادم الحرمين فى القاهرة، أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما أن يعيد تذكير الحاضرين، بأن بلاده انحازت وتنحاز إلى إعلاء قيم الحوار فى مواجهة دعوات العنف والتطرف، وثانيهما أن يجعل الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، يعيد تقديم أفكاره المضيئة للناس من جديد!
على المستوى الأول، استعرض السفير قطان مسيرة بلده فى هذا الاتجاه، وهى مسيرة تكثفت بشكل خاص مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، وبلغت ذروتها بتأسيس مركز الملك عبدالله العالمى، للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فى فيينا، فى يوليو 2005، وعندما ذهب الأمير سعود الفيصل، يرحمه الله، لتوقيع اتفاقية إنشاء المركز، فإنه قال: المأمول، ثم المطلوب، أن يكون المركز باعثاً إلى حوارات مستنيرة فى وجه الإرهاب، بكل صنوفه وأشكاله.
من قبل، كان الطريق ممتداً ومتصلاً، من أول قمة مكة الاستثنائية، فى ديسمبر 2005، التى دعت الرياض فيها إلى إقرار قيم الوحدة والتسامح وقبول الآخر، ضد التطرف والتخلف، ثم مروراً بتأكيد الملك عبدالله، فى المؤتمر العالمى للحوار بين الأديان فى إسبانيا، فى يوليو 2008، على أن الإسلام كان وسوف يبقى ديناً للاعتدال والوسطية، ثم انتهاءً بكلمة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فى القمة العربية اللاتينية الرابعة، فى 9 نوفمبر 2010 بالرياض، وفيها كان الملك الذى يحل ضيفاً علينا هذا الأسبوع، يقول، إن بلاده تدعم ثقافة السلام بين مختلف الحضارات.
وعلى المستوى الثانى.. مستوى الدكتور زقزوق، كان الوزير الأسبق مهموماً طوال الجلسة بشيئين اثنين، أولهما أن الحوار حين يقوم، فإنه يظل بين أتباع الديانات وليس بين الديانات نفسها، لأنه فى الحقيقة، لا مشكلة بين دين، وآخر.. ولكن المشكلة فى أن يتخيل أتباع أى دين أن بقاءهم لا يكون إلا بنفى الآخرين.. وهذا ما لا وجود له فى القرآن الكريم ذاته، الذى قال نصاً: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين».
هذه المعانى الراقية، التى بثها الرجلان، السفير والوزير.. بامتداد ساعتين ونصف الساعة، لا يجب أن تكون حبيستهما، ولا أن تكون حبيسة الصالون فى حدوده، ولا بديل عن أن تكون هواء يتنفسه الجميع، لأنه لا بديل أيضاً عن أن يفهم الكافة بيننا، أن الإسلام قد جاء ليجمع بمقاصده العليا بين البشر، لا ليفرق بينهم، وأنه أبعد ما يكون عن أن يقبل بممارسة عنف ضد أى إنسان من حيث هو إنسان، بصرف النظر تماماً عن ديانته، وعما يعتقد فيه!
ثم إن علينا أن نذكر دائماً أن القرآن الكريم قد قال: «ولقد كرمنا بنى آدم».. ولم يقل: ولقد كرمنا المسلمين، ولا قال: ولقد كرمنا المؤمنين، وسوف يبقى المجد للعقل فى الإسلام، ما بقى مثل هذا الصالون، وما بقيت الروح التى شاعت فيه.