سليمان جودة
قبل أسبوع من الآن، قررت المتاحف الإيطالية تنكيس أعلامها، حداداً على رحيل رجل كان يمثل قيمة فى حد ذاته، فى سوريا!
أما الرجل فهو خالد الأسعد، أحد خبراء الآثار الكبار فى أرض الشام، وأما رحيله الذى حزنت عليه متاحف إيطاليا، فلم يكن رحيلاً من النوع العادى، لا لشىء، إلا لأنهم وجدوه معلقاً على عمود من أعمدة الكهرباء فى مدينة تدمر السورية، ذات القيمة الأثرية العالية!
وأما القصة، فهى أن الأسعد رفض إرشاد أعضاء فى تنظيم «داعش» الإرهابى، إلى مكانٍ ظنوا هم أنه قد أخفى فيه آثاراً عنهم، وعندما تمسك بموقفه، وانحاز إلى آثار بلاده، باعتبارها تراثاً إنسانياً عاماً، لا تراثاً سورياً فقط، فإنهم قد فصلوا رأسه عن جسده، ثم علقوه على عمود الكهرباء!
حدث هذا فى تدمر، وكانت صورة الأسعد معلقاً على العمود فى كل صحيفة فى ذلك اليوم، ولم يسمع أحد أن ضميراً فى العالم قد اهتز للجريمة، ولا سمعنا أن منظمة اليونسكو فى باريس، التى تهتم بشؤون التربية والثقافة والعلوم فى أنحاء الأرض، قد اتخذت موقفاً يتناسب مع حجم الجريمة.. لم يحدث.. وكان رد الفعل الدولى الوحيد هو تنكيس أعلام متاحف إيطاليا، ربما لأن إيطاليا بلد فن فى الأساس، وربما لأنهم يدركون وزن الأسعد، ووزن الآثار التى فقد حياته دونها!
غير أن هذا كله كوم.. بينما ضريح سليمان شاه العثمانى، الموجود فى شمال سوريا، كوم آخر!
هو كوم، لأن «داعش» الإرهابى، الذى فعل ما فعل مع الأسعد لم يمس طوبة واحدة إلى هذه اللحظة فى الضريح العثمانى الشهير!.. وهذا بالضبط ما أريد أن ألفت النظر إليه.
أريد أن أقول، إن علينا أن نعرف، أن تركيا تدعم «داعش» فى سوريا، وفى العراق، وفى ليبيا، وتموله، وترعاه، وليس صحيحاً أنها تضربه، أو تطارده، أو تقاومه.. ليس صحيحاً بالمرة، لأن الصحيح أنها تضرب الأكراد فى الأساس، ثم تمارس علينا نوعاً من التمويه، وتريد منا أن نصدق أنها تقاتل الدواعش، وهو ما لا يجب أن نصدقه أبداً، ولا أن ننخدع به مطلقاً.
لو كانت تركيا ضد «داعش» لكانت قد انضمت إلى التحالف الذى قادته وتقوده واشنطن ضده، منذ عدة أشهر، ولانزال نذكر كيف أن الأتراك رفضوا الانضمام يومها، لأسباب بدت واهية وغير مقنعة، ولو كانت تركيا ضده، كتنظيم يمارس كل ما لا علاقة له بدين الإسلام، لكان «داعش» قد دمر ضريح سليمان شاه، بدلاً من أن يقف عليه حارساً إلى اليوم، ويدمر فى المقابل آثار تدمر كلها!
الضريح العثمانى سوف يبقى قبراً، لا لصاحبه فقط، ولكن لكل شىء دعا ويدعو إليه أردوغان بيننا، منذ صار فى الحكم، وسوف يبقى أيضاً دليل إدانة كاملة ضد كل شىء له صلة بأردوغان!