سليمان جودة
ليست المرة الأولى التي يذهب فيها الرئيس إلى دولة أوروبية، ولكنها المرة الأولى التي تقترن فيها زيارته المرتقبة إلى ألمانيا بكل هذا الصخب، وكل هذا الضجيج، ولأن الرئيس صمم على إتمام زيارته، رغم نداءات إليه بإلغائها، أو تأجيلها، فإن علينا أن ندير المعركة المتوقعة هناك على النحو الصحيح.
وهى معركة حقاً، لأن علينا ألا ننسى أن ألمانيا هي مقر تاريخى لكيان إرهابى اسمه التنظيم الدولى للإخوان، كما أن وجودهم فيها، على المستوى الاقتصادى، وجود مؤثر، ولم يكن اعتذار رئيس البرلمان الألمانى عن عدم لقاء الرئيس بعيدا في ظنى عن لعب إخوانى، تم ويتم في الخفاء، وهو لعب يجد، بكل أسف، ألمانا وأوروبيين يتجاوبون معه، وهم يعرفون أنهم يتجاوبون مع أهل عنف وإرهاب، ولكنها «المصالح» التي لايزال أوروبيون وأمريكيون يرون أنها سوف تتحقق حينما يكون الإخوان في الحكم، فإذا كان المصريون قد أزاحوهم إلى غير رجعة من الحكم، فليس أقل من أن يكونوا في الصورة أو في المشهد في إجماله!
وعندما بدأت الحكاية باعتذار رئيس برلمانهم، كانت الخارجية المصرية موفقة للغاية، في اللحظة التي قالت فيها بصراحة إن الرئيس لم يطلب لقاء رئيس البرلمان المعتذر، وإن الألمان هم الذين وضعوا اللقاء بينهما ضمن فقرات الزيارة، وإنه إذا كان قد رأى أن يعتذر فهذا شأنه وحده، لأننا لم نطلب الأمر أصلا، ولم يحدث أن سعينا إليه.. هكذا يجب أن نشرح الأمور بوضوح، حتى يكون الرأى العام على بيّنة من القصة كلها، وحتى نقطع الطريق على متاجرة الإخوان الرخيصة بالمسألة كلها أيضا.
فإذا تجاوزنا هذه النقطة كان علينا في أثناء الزيارة وخلال الأيام القليلة المتبقية عليها، أن نكون في منتهى الحذر من الانجرار إلى فتح مناقشة حول أحكام القضاء، وأن نرفض بحسم أن توضع هذه الأحكام على موائد الكلام، أو التفاوض، أو النقاش..لا.. فما هكذا أبدا يتعامل العالم كله مع أي حكم قضائى عنده، لأن الاعتراض على أي حكم قضائى يحدده القانون نفسه، ويحدد وسائله ودرجاته قانون الإجراءات الجنائية، وإذا كان هناك من يعترض على حكم القضاء بين الإخوان أو غير الإخوان، فاعتراضه هذا له مكان واحد، بل وحيد، هو ساحة القضاء نفسها، ولا مكان آخر على الإطلاق.
هذه هي رسالتنا التي لابد أن تكون بهذا الوضوح، فلا ندخل في تفاصيل، ولا نسمح تحت أي ظرف بأن يكون القضاء المصرى وأحكامه محل أخذ أو محل رد، فلسنا نتكلم، والحال هكذا، عن قرارات حكومية يمكن أن تحتمل مثل هذا الأخذ أو مثل هذا الرد، وإنما نتكلم عن أحكام قضاء لها طبيعتها التي لا يجوز أن نغفل عنها، أو نتساهل فيها، ونحن نتحدث مع أي طرف، سواء كان هذا الطرف هو الألمان، أو غير الألمان.
وإذا انتقلنا من هذه النقطة، بدورها، إلى ملف حقوق الإنسان، فعلينا كذلك أن نكون واضحين للغاية، وأن نقول إن حقوق الإنسان ليست مثالية في أي دولة، بما فيها مصر، وإن كل عاصمة بما فيها القاهرة تحاول طول الوقت أن تكون حقوق الإنسان عندها في أحسن حال، وأن يكون مفهوما أن حقوق الإنسان ليست مضروبة في مصر ومصونة في الوقت نفسه في أوروبا، وإنما هناك ملاحظات عليها في الحالتين.. قد تكون الملاحظات في حالتنا أكثر، ولكننا في المقابل لا نقر بأى خرق لها، ونتعامل معه، ونسعى بجد إلى مساءلة صاحبه.
إننا لم نسمع شيئا من هؤلاء الذين تؤرقهم حقوق الإنسان عندنا عن حالة هذه الحقوق نفسها في مدينة فيرجسون الأمريكية، ولا كذلك في مدينة بلتيمور، حيث ضربت الشرطة المتظاهرين بأسلحة تستخدمها الجيوش في الحروب، ولا عن الشاب القوقازى الذي حكموا عليه بالإعدام في بوسطن الأمريكية يوم 18 مايو الحالى.. لم نسمع حرفا عن هذا كله، بما يعنى أن هؤلاء الذين تؤرقهم حقوق الإنسان لدينا ليسوا أصحاب ضمير إلى هذا الحد، وإنما هم أصحاب غرض، وساعون إلى مصالح مع الإخوان لا أكثر.. ولا أقل!
علينا أن نذهب لألمانيا ونحن موقنون بأننا لسنا ضعفاء إلى هذه الدرجة، وأنه إذا كانت هناك ملاحظة على أدائنا في هذه الملفات، فعند غيرنا عشر ملاحظات ونستطيع أن نحصيها ملاحظة ملاحظة.. وأن نضع إصبعنا في أعين الذين لا يرونها!