سليمان جودة
لا أعرف ما الذى بالضبط يستفيده المستثمر العربى الذى اشترى فندق ميريديان القاهرة، ثم قرر تحويله إلى «بيت وقف» على النيل!.. ولكن ما نعرفه أن ما يفعله يضرنا، ويضعنا أمام صورة مقلوبة بالكامل، للمستثمر الذى نريده، ونغريه بالمجىء إلينا، ونسعى إليه!
ولو كان الأمر يتوقف معه، عند حدود الميريديان، لقلنا إن المسألة فيها خطأ خارج عن إرادته، وإنه سوف يسارع بتصحيحه.. ولكن.. أن يشترى هو نفسه شيراتون الغردقة، ثم يتصرف معه ذات التصرف، فأنت أمام سلوك مقصود.. ثم.. أن يشترى عمارة من بابها، عند السفارة الإنجليزية فى جاردن سيتى، ثم يغلقها من بابها أيضاً، فأنت أمام رجل عنده غرام بشراء عقارات مهمة، فى مواقع أكثر أهمية، ثم طرد كل الذين هم فيها، وإطفاء أنوارها، وتركها على هذا الحال البائس!
أنت، إذن، أمام «حالة» كاملة، ولست أمام تصرف عابر لا يجوز بطبيعته أن يستوقفنا، وبما أننا أمام «حالة»، فالمؤكد أننا فى حاجة شديدة إلى تفسير لها، منه هو، أو من المسؤول الذى يعنيه أمر الاستثمار فى بلدنا.
والتفسير الذى نبحث عنه، ونلح فى طلبه، له أسبابه القوية للغاية، ومنها، مثلاً، أن المستثمر.. أى مستثمر.. حين يقرر أن يأتى ليعمل على أرضنا، فإن أول شىء نتوقعه منه، أن يتيح من خلال أعماله، فرص توظيف لأعداد من العاطلين، فهذا هو مطلبنا الأول من أى مستثمر يختار العمل فى البلد، وهذا ما نفترض أنه يؤرق مسؤولينا.
فى حالة مستثمر المريديان، نجد العكس تماماً، لأنه أغلق المبانى الثلاثة، وأغلق معها بالضرورة أى باب لأى عامل أو موظف يمكن أن يكون له باب رزق هناك!
ليس هذا، وفقط.. لأن هناك ما هو أشد ضرراً لنا، كبلد، يبذل كل ما عنده ليوفر للمستثمرين عموماً مناخاً صالحاً للعمل، فإذا بواحد منهم يفكر، أول ما يفكر، فى إلحاق الأذى بنا، وفى إعطاء صورة فى غاية السوء، لما يتعين أن يكون عليه المستثمر على أى أرض!
فهو، فى حالة إذا كانت المبانى الثلاثة تعمل بشكل طبيعى، سوف يدفع ضرائبه للدولة عن أرباحه فيها، وبما أنها لا تعمل، وبما أنها مظلمة من سنين، فإن أرباحه منها صفر، وعائدنا نحن بالتالى، من ورائها صفر أيضاً من النوع الكبير!
هو يجب أن يعرف أن من حقه أن يبنى بيتاً لنفسه، ثم يغلقه إلى الأبد، فالبيت، عندئذ، سوف يكون بيته، وهو حر فيه، ولن يناقشه أحد فى الأمر، فى حالة كهذه!
أما أن يغلق فندقين وعمارة كبيرة، فى واحد من أرقى أحياء العاصمة، مرة، وعلى نيل القاهرة، مرة ثانية، وعلى البحر الأحمر، مرة ثالثة، فهى قصة غير مفهومة بالمرة، وهو لم يجد، حتى هذه اللحظة، مسؤولاً فى دولتنا ينبهه، بجد، إلى أن ما قام به، فى المواقع الثلاثة لا يليق أن يستمر، تحت أى ظرف.. لا يليق به، كمستثمر افترضنا فيه الجدية، عندما جاء، ولكنه خيب ظننا فيه، ولا يليق بنا كدولة لابد أن تكون مدركة أن سكوتها المثير لعلامات الاستفهام لا يمنع عنها فقط عائداً كان سوف يأتى إلى خزانتها العامة، من نشاطه هنا، وفى البحر الأحمر، ولا يحجب عنها، وفقط، فرص عمل لعاطليها، ولكنه سكوت يهين كل واحد فينا!