سليمان جودة
فى طريقى إلى المطار، مررت من تحت العداد الشهير، الذى يضعه جهاز التعبئة العامة والإحصاء على جدار مبناه، فى شارع صلاح سالم، لعل كل مواطن عابر يعرف، كم عدد سكان البلد، وإلى أين وصل!
وتذكرت أنى كنت قد سمعت، من الوزير أحمد أبوالغيط، أنه كان ماراً من هناك ذات يوم قريب، وأن تكدس المرور قد أوقف سيارته لدقائق أمام المبنى، وأنه لاحظ أن السكان زادوا، فى اللحظات التى توقف خلالها أمام العداد، بالعشرات، وربما بالمئات، وأن ذلك قد جعله يسأل نفسه ثم يسأل غيره، ممن يعنيهم الأمر فى الدولة: متى يعمل هذا العداد، بشكل طبيعى، فلا يتوقف تماماً لأن هذا سوف يكون ضد طبائع الأشياء، ولا يجرى بالسرعة التى يجرى بها، لأن هذا ضد صالح هذا الوطن، وضد مستقبله على طول الخط؟!
وأذكر أنى كنت قد قلت من قبل إن الناس، فى أى بلد، هم ثروة من البشر، وإن إهدار هذه الثروة مسؤولية الذين هم فى مقاعد الحكم، وإنهم إذا لم يكونوا قادرين على توظيف هذه الثروة، كما يجب، فليس أقل من أن يفعلوا شيئاً لوقف هذه الزيادة المطردة، التى تبتلع كل محاولة للانتقال بالمواطن من حال بائس لحال أقل بؤساً.
ثم أذكر، أيضاً، أنى بعد أن أخذت على الحكومات المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية برئاسة المهندس شريف إسماعيل، أنها لم تعرف بعد كيف توظف هذا العدد من سكان البلد، ولا كيف تحول التسعين مليوناً من نقمة إلى نعمة، قد تذكرت أن ذلك لن يحدث، إلا إذا كان المواطنون قد تلقوا تعليماً يؤهلهم فعلاً لأن يكونوا ثروة، ثم نعمة، بدلاً من أن يكونوا نقمة!
وبما أن هذا هو حال تعليمنا، منذ سنين، فالكلام عن عجز الحكومات المتتالية، واحدة بعد أخرى، عن عدم توظيف ثروتها البشرية هذه، كما يتعين عليها أن توظفها، فيه ظلم لها، إلى حد بعيد، فمثل هذا التوظيف لن يكون ممكناً، فى صورته الأفضل، ما لم تقدم الحكومات نفسها خدمة تعليمية ممتازة لكل طالب فى كل مدرسة، وفى كل جامعة، وبعدها، لا قبلها، يمكن أن نتكلم عن أن هذه الملايين من البشر، فوق أرضنا، إنما هى إضافة، لا عبء على البلد.
لابد من وقف عداد صلاح سالم، أو بمعنى أدق، لابد من العمل بجد على الأرض، بما يجعله يدور فى معدل طبيعى، وليس بمعدل لاهث، كما يتابعه كل عابر من تحته، وليس من المعقول أن نظل نتفرج عليه، كلما مررنا من أمامه، وإذا جاز للمواطن العادى أن يتفرج، لأنه لا يملك أن يفعل شيئاً، فليس لكل مسؤول يعنيه الأمر أن يمر ويتفرج مثلنا، وإنما عليه أن يفعل شيئاً.. لابد.