سليمان جودة
من الأخبار التى استيقظ عليها المصريون، صباح أمس، قرار بحبس 4 مسؤولين بكهرباء القناة، فى السويس، لاتهامهم بالتخطيط لتدمير عدد من المحطات.. ولا أحد يعرف ما إذا كان هؤلاء المسؤولون الأربعة لهم علاقة مباشرة بالإظلام الذى ضرب مناطق كاملة فى أنحاء الجمهورية، صباح أمس الأول، أم لا، ولكن ما نعرفه أن الإظلام الذى حدث إذا لم يكن جرس إنذار زاعق للرئيس، بشكل خاص، ولمسؤولى الدولة بشكل عام، فلا فائدة!
وأحب أن أعيد تذكير الرئيس بأنه كان قد قال فى الكلمة التى ألقاها يوم استقالته من منصبه كوزير دفاع للترشح فى سباق الرئاسة، إن جهاز الدولة بوضعه الحالى لا يمكن أن يستمر وإن لديه خطة للتعامل مع هذا الجهاز، وإن جهازاً من سبعة ملايين موظف، فى بلد تعداده 90 مليوناً لابد فى النهاية أن يظل عبئاً عليها، كدولة، وأن يرهقها، ويعوقها، ويقف فى طريقها طول الوقت، فلا تخطو خطوة واحدة للأمام!
وعندما أقول إن تعداد جهاز الدولة البيروقراطى سبعة ملايين موظف، وإن تعدادنا 90 مليوناً، فإننى أقصد أن أقول إن ستة ملايين من السبعة يمثلون زيادة كاملة عن طاقة العمل، لأن المعروف عالمياً أن جهاز الوظائف فى الدولة لا يجب أن يزيد عدد العاملين فيه على 1٪ من عدد السكان، وبالتالى، فالعدد المفترض عندنا هو 900 ألف موظف، أى أننا فى حاجة إلى تسريح ستة ملايين ومائة ألف موظف، صباح غد، لا صباح بعد غد!
والمشكلة عندنا أن هذا العدد المخيف الزائد على طاقة العمل لا يكتفى أفراده بأنهم لا يعملون، وفقط. وإنما هناك أمام كل واحد يعمل، ستة يعطلونه عن العمل، لتتخيل أنت باقى ملامح المشهد!
جهاز متخم بالموظفين من هذا النوع، لابد أن يؤدى فى النهاية إلى كوارث، ولذلك، فقد كان الأمل عندما أشار الرئيس إلى هذا الوضع المختل، يوم إعلان نيته الترشح للرئاسة، أن يكون مثل هذا الملف على رأس الأولويات التى ينشغل بها الرئيس، بعد فوزه مباشرة، لا أن يركنه على جنب، كما هو ظاهر لنا الآن، لأن الدولة كلها منشغلة بأشياء أخرى، ليس أولها مشروع قناة السويس ولا آخرها مشروع توشكى!
وهى مشروعات، بالمناسبة، لا غبار عليها أبداً، وخصوصاً مشروع القناة الجديدة، ثم محور القناة، بشرط أن تقام «على نظافة» كما يقال، لا أن ننشغل بها وحدها، كمشروعات كبيرة وطويلة الأمد، ثم نترك عفن أجهزة الدولة كلها على حاله!
إن العفن ضارب فى أجهزة الدولة إلى أعماق لا نكاد نتصورها، ويستحيل أن نبنى «مصر الجديدة» بعد ثورتين فوق العفن نفسه.. يستحيل.. وإلا فإن البناء كله يصبح عُرضة فى النهاية للانهيار، لا قدر الله.
إن عدد موظفى الدولة فى ألمانيا، التى تماثلنا فى عدد السكان، لا يتجاوز 800 ألف موظف، ولذلك، فإن جهاز العمل لديهم منضبط كأنه ساعة سويسرية، وليس فيه أحد يشبه الأربعة الذين جرى حبسهم صباح أمس، وما أكثر الذين يشبهونهم فى كل موقع من مواقع العمل بامتداد الجمهورية، وجميعهم أقرب ما يكونون إلى فئران السفن!
فئران السفن التى تظل تقرض فيها، حتى إذا أوشكت على الغرق قفزت منها، فلا تتركهم يا سيادة الرئيس ليصلوا بنا إلى هذا المدى، ولا يعنى تسريح الملايين الستة الزائدة هنا طردهم بالضرورة من العمل، وإنما يعنى إعادة توظيفهم أو تسكينهم، بما يجعل منهم قوة مضيفة أو محايدة على الأقل، لا قوة معطلة ومسببة لكوارث من نوع ما جرى أمس الأول!