سليمان جودة
لا يختفى الحديث عن المصالحة مع جماعة الإخوان، كفكرة، حتى يعود من جديد، ولا يعود حتى يختفى وسط الزحام الذى نعيشه، وعلينا فى كل الأحوال أن ننتبه بقوة إلى عدة أشياء فاصلة فى الملف بمجمله، وهى أشياء لا يجوز أن تغيب عنا دقيقة واحدة!
الشىء الأول أن نية المصالحة، إذا كانت قائمة حقاً لدى الجماعة، هى نية تبدو زائفة، لأنها، كجماعة، لم تلجأ للفكرة إلا بعد أن تبين لها أن عنف عامين مع المصريين لم يذهب بها إلى شىء، ولن يؤدى بها إلى شىء فى المستقبل، حتى ولو دام عشر سنوات، وبالتالى، فهى كجماعة إخوانية، غير مقتنعة بحكاية المصالحة هذه، ولم تلجأ إليها عن اقتناع، وإنما عن اضطرار، وعن إحساس بالفشل فى مسار العنف!
الشىء الثانى أن الجماعة لاتزال تتصور، عن غباء فطرى فيها، أن مشكلتها إنما هى مع الحكومة، وقد كان هذا صحيحاً فى وقت سابق، ولو أنصفت هى نفسها الآن، لأدركت أن مشكلتها إذا كانت مع الحكومة وحدها، فالمسألة عندئذ، هينة، ولكن المشكلة بالأساس صارت مع المصريين فى عمومهم، الذين رأوا من الجماعة فى عمومها أيضاً ما لم يحدث أن رأوه من أعداء لهذا البلد، ولذلك فأمام الجماعة - إذا كتب الله لها أن تبقى - مشوار طويل عليها أن تحاول خلال إصلاح ما انكسر بينها وبين كل مصرى تقريباً.. والله تعالى حده أعلم بما إذا كانت سوف تنجح فى مهمة كهذه أم لا؟!.. الله وحده أعلم، لأنى أتصور أن الجرح الذى أحدثه سلوك الجماعة فى أعماق المصريين، منذ 30 يونيو، جرح غائر، ولايزال ينزف، وليس من السهل تجاوزه، ولا نسيانه، ولا القفز عليه.
الشىء الثالث أن حديث المصالحة، إن صح، فإنما يدل على أن هذه الجماعة، لا هى جماعة صاحبة أفكار تؤمن بها ولا يحزنون، ولكنها جماعة تسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح، وأكبر قدر متاح من النفع، بأعلى انتهازية تستطيعها، حتى ولو كان ذلك سوف يتم حين يتم على حساب كل شىء.. وليس هناك ما هو أدل على ذلك إلا أن الجماعة قبل 25 يناير 2011 كان كل ما يهمها أن تحصل، بالاتفاق مع النظام الحاكم، على أى عدد من مقاعد البرلمان.. أى عدد.. وقد كان ذلك يحدث بمنطق الصفقة المتبادلة بينهما، وكان منتهى أملها، كجماعة، أن يتفضل عليها النظام، ويعطيها ما يحقق لها منافع فى البرلمان، ولم يكن كل ماعدا ذلك يعنيها!
الشىء الرابع أن الكلام عن مصالحة معناه المباشر، أو غير المباشر، أن هؤلاء الموجودين فى السجون، من بين قياداتها، إنما هم معتقلون وليسوا مسجونين بقرارات من النيابة العامة، وليسوا متهمين فى قضايا محددة، لها عقاب على كل تهمة فيها يحدده القانون.. إن القبول بفكرة المصالحة، بالشكل الذى يجرى طرحه، من وقت لآخر، معناه أن رئيس الحكومة، مثلاً، هو الذى اعتقلهم، وأنه سيستطيع بالتالى إطلاق سراحهم!.. وهو الشىء غير الصحيح بالمرة!
الشىء الخامس أن الجماعة تنسى أنه لا مشكلة لنا، كمجتمع، مع أى إخوانى لم يرتكب عنفاً، ولم يحرض عليه، فمثل هذا الشخص يظل رغم إخوانيته مصرياً إلى أن يثبت منه العكس، ويظل مواطناً له كامل الحقوق والواجبات ويستطيع أن يمارس السياسة، إذا شاء، من خلال أى حزب قائم.. أما الذى ارتكب عنفاً، أو حرض عليه، أو خالف نظام الدولة، فالسجن مكانه، والقانون وحده هو الذى عليه أن يتكفل به طول الوقت!
حديث المصالحة، إذن، هو بالشكل الذى يجرى طرحه به، من آن لآخر، فخ محكم.. فلا تقعوا فيه، لأن له أهدافاً أخرى غير التى تُقال!