سليمان جودة
أكتب هذه السطور فى ساعة مبكرة من صباح أمس، ولم أشأ أن أنتظر حتى تدق الساعة تمام التاسعة، ويصطف المصريون فى طابور أمام لجان الانتخاب، لأكتب، لا لشىء إلا لأن عندى يقيناً فى أن الناخبين الذين فعلوها ثلاث مرات، فى أقل من عام، قادرون على أن يفعلوها مرة رابعة.. وخامسة.. وعاشرة!
فعلوها يوم 30 يونيو 2013، عندما خرجوا دون أن ينصحهم أحد بأن يخرجوا، وفعلوها فى لحظتها بطريقة لاتزال، وسوف تظل، تدهش العالم الذى تابع الخروج يومها، وأكاد أقول إن احتشاد الملايين من أبناء هذا الوطن، فى ذلك اليوم، كان مدهشاً لهم أنفسهم، قبل أن يدهش غيرهم.. وإذا كنت أتمنى شيئاً، اليوم، فأتمنى لو أعادت الشاشات بث صور يوم 30 يونيو، ليدرك الذين نسوا ما جرى، أو تناسوه، أنه مسجل، وموجود، وموثق، وأنه حى، وسوف يبقى حياً فى وجدان هذا الشعب!
فعلناها، إذن، فى 30 يونيو، وكنا مدهشين حقاً!
ثم فعلناها، للمرة الثانية، يوم 26 يوليو، من العام الماضى، عندما طلب المشير من الناس أن ينزلوا، ليعطوه تفويضاً شعبياً بسحق أهل العنف والإرهاب، وأظن أن صور ذلك اليوم موجودة أيضاً، ومتاحة، وأظن، كذلك، أن الصور لا تكذب، وأنها إن كانت تدل على شىء، فإنما تدل على أن أبناء هذا البلد، لايزالون، كما كانوا فى تاريخهم كله، قادرين على إدهاش الدنيا، إذا أرادوا!.. ولم يكذب شاعر تونس، أبوالقاسم الشابى، ولم يبالغ حين قال إن الشعب - أى شعب - إذا أراد يوماً، فلابد.. لابد.. أن يستجيب القدر!
ولست أعتقد أن قائداً عسكرياً قد حصل على تفويض مماثل للتفويض الذى حصل عليه المشير، ومن ورائه مؤسستنا العسكرية الوطنية، فى يوم 26 يوليو.. إنه تفويض شعبى جارف، أى أنه الأقوى دون منافس!
ثم.. فعلها المصريون فى يومى 14 و15 يناير الماضى، حين خرجوا للاستفتاء على الدستور الجديد.. دستور ما بعد الإخوان.. وقد رأيت بعينى خلال اليومين، طوابير أمام اللجان، لا تكاد ترى آخرها، إذا وقفت عند أولها.. وفى اللحظة التى مررت على واحد منها فى شارع الثورة بمنطقة المهندسين، سألت نفسى وأنا أتطلع إلى أول الطابور، أمام مدرسة جمال عبدالناصر، ثم أحاول أن أرى آخره، عما إذا كان هؤلاء الواقفون فى آخر الطابور سوف يبلغون صندوق الاقتراع فى اليوم نفسه، أم أنهم سيجدون أنفسهم مضطرين إلى أن يعودوا فى اليوم التالى!
كان خروجاً عفوياً، تلقائياً، طبيعياً فى المرات الثلاث، ولم يرتب له أحد، ولم تجبر الدولة أحداً على الخروج فى المرات الثلاث، لأنك، كدولة، يمكن أن تطلب، بل تأمر الناس بالخروج، ثم لا يخرجون!
كان خروجاً عفوياً، وتلقائياً، وطبيعياً، ولم يكن مصنوعاً، ولا متعسفاً، ولم تكن له دلالة فى كل مرة، سوى أن المصريين أرادوا أن يقولوا، بأفصح لسان، إن هذا البلد كان لهم وحدهم، وسوف يظل، وإن على الذين حاولوا ابتلاعه، طوال عام حكموه فيه، أن ينصرفوا بإحسان، وأن يأخذوا درساً وهم ينصرفون!
ولابد أن الذين لقنوا الإخوان درساً لا يُنسى فى 30 يونيو، وفى 26 يوليو، وفى 14 و15 يناير، قادرون على أن يفعلوها من جديد وبأقوى مما كان، لمرة رابعة، وخامسة، وعاشرة!
فعلوها ثلاثاً من تلقاء أنفسهم.. فلا تطلبوا منهم أن ينزلوا اليوم، ولا فى أى يوم.. لا تطلبوا منهم.. لأنهم يعرفون الطريق!
"المصري اليوم"