سليمان جودة
أجد نفسى مضطراً لإعادة تذكير الذين يعنيهم الأمر فى الدولة، بأن الأجهزة المختصة فى فرنسا أجبرت رئيس الوزراء هناك، قبل أسبوعين من الآن، على إعادة 2500 يورو حصل عليها من المال العام، دون وجه حق، وقد أعادها فعلاً.. وفوراً!
القصة رويتها فى هذا المكان، فى وقتها، وأعود إليها لسبب قوى سوف نراه حالاً، ولكنى فقط أنبه إلى أن المسألة مع رئيس الوزراء الفرنسى لم تكن مسألة 2500 يورو، فهو مبلغ يساوى بالكاد 25 ألف جنيه مصرى تقريباً، وهو بالتالى مبلغ متواضع، إذا ما قورن بما نسمعه عن وقائع إهدار المال العام بالملايين، وربما بمئاتها، هنا أو حتى فى الخارج!
الحكاية هى حرمة المال العام كفكرة، والحكاية هى أيضاً أن الحكومة عليها أن تدرك أن التسامح فى إهدار جنيه واحد لا يختلف عن التسامح فى إهدار مليون جنيه والحكاية تظل فى النهاية تعبيراً عن مبدأ تأخذ به الحكومة، حيال مالها العام، وبحزم، أو لا تأخذ، بصرف النظر تماماً عما إذا كان المهدر جنيهاً، أو مليوناً!
رئيس وزراء فرنسا كان قد اصطحب معه ابنيه من باريس إلى برلين، على طائرة دفعت الدولة قيمة استئجارها لمهمة عمل كان عليه أن يقوم بها، ولما كانت الطائرة، فى هذه الحالة، طائرة للدولة، ولما كان المال الذى جرى استئجارها به مالاً عاماً، فإن رئيس الحكومة قد وجد من يقف فى وجهه، فى الحال، ويقول له بأعلى صوت: قف.. فأنت من حقك أن تصطحب معك ابنيك، ولكن ليس على حساب الدولة، وبما أنك فعلت ذلك، فقيمة التذكرتين لهما، هى كذا باليورو وبالسنت الواحد.. وكذا هذا إنما هو مال عام والمال العام مكانه خزانة الدولة، وليس مكانه فى جيبك!
عبارة كهذه، يريد كل مصرى أن تكون هى الحاكمة لعمل حكومتنا، فى كل موقف دون استثناء، وعبارة كهذه، نريد من الحكومة أن تسعف بها الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، إزاء الدكتور حسن الشافعى، رئيس مجمع اللغة العربية، ليعيد إلى خزانة الجامعة 387 ألف جنيه، حصل عليها دون وجه حق، من المال العام!
فالدكتور الشافعى كان رئيساً للمجمع، ولايزال، ولكنه فى الوقت نفسه كان يشغل وظيفتين أخريين، إحداهما وظيفة أستاذ فى الجامعة، والثانية وظيفة رئيس المكتب الفنى لشيخ الأزهر، وكان يتقاضى عنهما أجراً، وفى الحالتين كان موقفه مخالفاً لنص القانون 168 لعام 1958، الذى يحظر الجمع بين وظيفتين، حظراً صريحاً لا لبس فيه!
الدكتور حسن تقاضى من الجامعة 387 ألف جنيه دون أدنى حق، وعندما تصدت له إدارة الجامعة لم يعجبه الأمر، رغم أنها طبقت المبدأ عليه، وعلى عشرات آخرين من الأساتذة الذين لا يجدون أى حرج فى ملء جيوبهم بالمال الحرام!
يريد المصريون أن يستيقظوا فى كل صباح على واقعة جديدة، تقول لهم الحكومة من خلالها إن المال العام خط أحمر، لا يجوز الاقتراب منه، بأى حال، حتى ولو كان بالقرش والمليم!