سليمان جودة
لا أريد أن أتناول موضوع «عمر أفندى» مرة، أو مرتين، ثم أنساه.. لا.. وإنما لابد أن نعود إليه مرات ومرات، حتى نجد له حلاً، لأنه فى الحقيقة ليس مجرد مشروع خسر ولايزال، وليس مجرد مشروع استنزف المال العام فى البلد، ولايزال، ولكنه يمثل نموذجاً لشركات أخرى مماثلة له بامتداد الوطن، تخسر وتستنزف مالنا العام، بالقدر ذاته، وربما أكثر، ثم إن «عمر أفندى» على بعضه يعبر عن طريقة فى التفكير، لابد أن تختفى من بيننا.
ولقد سمعت من مواطنين كثيرين، بعد أن كتبت فى الموضوع مرتين، أن الغالبية من المصريين إذا كانت قد تقبلت قرار رفع بعض الدعم عن الطاقة بأنواعها، فإن هذه الغالبية نفسها ترجو أن يكون هذا التقبل، من جانبها، مقترناً، فى الوقت نفسه، بخطوة أخرى من جانب الحكومة، هى وقف نزيف المال العام فى الشركات الخاسرة، وبسرعة.. وإلا.. فليس معقولاً أن نوفر من دعم الطاقة، ثم ننفق على شركات من هذا النوع، تبدو، طول الوقت، كأنها ثقوب واسعة فى الخزانة العامة للدولة، تتسرب منها الفلوس التى توفرها الحكومة، من أى بند، وعلى أى مستوى، فنظل، والحال هكذا، فى أماكننا، بل إننا نتأخر، لأن الذين هم حولنا فى العالم لا يتوقفون عن الحركة فى كل اتجاه!
مطلوب، إذن، أن تخرج علينا الحكومة ببيان تقول فيه إن عدد شركات القطاع العام كذا، وإن عدد كذا منها يخسر، وإن الباقى يكسب، وعدده أيضاً كذا.
هذه خطوة.. ثم تأتى الخطوة التالية مباشرة ليقال لنا إن هذه هى الطريقة التى سوف نتعامل بها مع الشركات الخاسرة، حتى نسد هذا الباب، وحتى لا نظل نوفر هنا، ونبدد هناك، فنضحك على أنفسنا ونحن لا ندرى!.. بل إننى أذهب لأبعد من هذا، وأقول، إنه إذا كانت هناك طريقة لمضاعفة أرباح الشركات التى تكسب منها، فلا يجب أن نتردد فى الذهاب إلى هذه الطريقة من أقصر طريق، ودون انتظار.. وأما الخاسرة فلابد من حل معها بالبيع أو بغيره، ودون انتظار أيضاً، فالمهم أن نوقف الخسائر، وفوراً، وألا نسمح بالاستمرار فى نزيف المال العام فيها، تحت أى مسمى.
ثم إنه مطلوب كذلك أن نعرف، بصراحة، ودون مداراة، لماذا أعاد المستثمر العربى شركة «عمر أفندى» إلينا.. وهل العقد الذى كان موقعاً معه كان مخالفاً، وإذا كان مخالفاً، فلماذا لم نحاسب الذى خالف فيه، أو نعلن اسمه على الناس على الأقل، بدلاً من أن نعاقب مستثمراً بذنب غيره؟ فإذا كان العقد سليماً، ولا شىء فيه، وإذا كان المستثمر لم يخطئ فى شىء، ثم جاء من استعاد منه الشركة، قضائياً، دون مبرر، فلابد أن نحاسب الذى أعادها، لأن إعادتها قد مثلت، ولاتزال، عبئاً على خزانة الدولة، ولأن الإعادة فى حد ذاتها كانت، ولاتزال، كما رويت من قبل مرتين، إهداراً لمال عام فى كل صباح، نحن أحوج الناس إلى كل قرش فيه.
وبصراحة أكثر، فإن حال شركة «عمر أفندى» قد وصل الآن حداً من البؤس والتعاسة، لا يمكن أن يدوم، كما أن المجىء بأحد، أى أحد، ليكون مسؤولاً عنها، ليس سهلاً، لأنها بخسائرها لم تعد مطمعاً، ولا مغنماً لأحد، وبالتالى، فعندى سؤال أطرحه بجدية كاملة هو: لماذا لا يتولى المهندس يحيى حسين عبدالهادى رئاسة «عمر أفندى» لإنقاذها؟! ولماذا لا يصدر قرار، صباح غد، من المهندس إبراهيم محلب بأن يكون «عبدالهادى» مسؤولاً عن «عمر أفندى»؟.. فهو قد عمل طويلاً من أجل أن تعود الشركة إلينا، ولما عادت زادت خسائرها وتضاعفت، فأعطوها له.. أعطوه «عمر أفندى» كمشروع من بابه، لأنه قد يكون الأقدر على إعادته للحياة!
"المصري اليوم"