سليمان جودة
لم يتوقف أحد منا بالقدر الكافى أمام قرار جمهورى أصدره الرئيس السيسى يوم الأحد الماضى، رغم أنه كان يجب أن يستوقفنا لسببين، إذا فاتنا الأول، فلا يجوز أن يفوتنا الثانى!
أما السبب الأول فهو أن هذا هو أول قرار يصدره الرئيس منذ دخوله مكتبه، كما أنه بالتالى، أول قرار يحمل توقيعه فى الجريدة الرسمية، وهى جريدة كما نعلم، لا نعتبر نحن مثل هذه القرارات قرارات إلا إذا تم نشرها فيها!
وقد كان علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا اختار الرئيس أن يكون هذا القرار هو أول قراراته، كرئيس، دون غيره من القرارات؟!
فإذا فاتنا هذا السبب، الذى يتعلق بالشكل فى أغلبه، فلا يليق أن يفوتنا السبب الثانى، الذى يتصل بالمضمون ذاته.. أقصد مضمون القرار.
ذلك أنه بمقتضى هذا القرار قد تشكلت لجنة برئاسة رئيس الوزراء، وعضوية وزيرى العدل والعدالة، وفضيلة المفتى، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس قسم التشريع فيه، ورجال قانون من الجامعات، ونقابة المحامين، وشخصيات عامة، من أجل هدف واحد هو إصلاح تشريعاتنا التى انقطعت أصوات كثيرين بيننا، بامتداد سنين مضت، فى المناداة بإصلاحها، دون جدوى!
وإذا جاز لنا أن نترجم مهمة هذه اللجنة إلى عبارة أخرى، بخلاف عبارة الإصلاح التشريعى التى قد تكون ثقيلة على الأذن، فإننا سوف نقول إن مهمة اللجنة الأولى هى عقد مصالحة بين القوانين التى تحكم حياتنا وبين العصر الذى نعيش فيه!
فالمتأمل لمسيرة هذا البلد، على مدى عقود من الزمان مضت، سوف يكتشف أنه كانت هناك حالة من الخصام بين القوانين التى نمشى ونعمل وفقاً لها وبين الحياة الذى نحياها، وأن هذا الخصام قد نتج عنه شىء خطر للغاية، وهو أن مسؤولينا ووزراءنا تحديداً قد أصبحوا مكبلين طول الوقت بقوانين من هذا النوع، وكان الشاطر منهم يبحث عن وسيلة يتجنب بها العمل وفق قوانين بالية كهذه، ولكنه - أى المسؤول الذى كان يتصرف على هذا النحو - لم يكن فى حالات كثيرة يكافأ على ما فعل، وإنما كنا كدولة نعاقبه، وأحياناً كنا نذهب به إلى السجن.. والأمثلة فى هذا الاتجاه كثيرة!
ولهذا كله، فإذا كان الوزراء الجدد، ومعهم القدامى، قد أدوا اليمين الدستورية بعد صدور هذا القرار الأول بـ48 ساعة، فإن أياً منهم لن يستطيع أن يعمل كما يجب عليه أن يعمل فى مكانه، إلا إذا كانت البيئة القانونية التى تحيط به بيئة مساعدة، ومعاونة، ومساندة، ومسعفة، لا معطلة له، ولا معوقة لخطواته!
ولست أبالغ فى شىء إذا قلت إن إنجاز هذه الحكومة على الأرض، وإنجاز كل وزير بمفرده فى منصبه، مرتبط كل الارتباط، لا بعضه، بالإسراع فى عقد الصلح المطلوب، من خلال هذه اللجنة، بين كل قانون تعرفه مصر، فى أى مجال، وبين وقتنا الذى نتنفس هواءه!
وإذا كنا نقول دائماً، على سبيل النكتة القاسية، إنك إذا أردت أن تُميت موضوعاً فليس لك إلا أن تحيله إلى لجنة، فالمطلوب من لجنة القرار الرئاسى الأول هو إثبات العكس على طول الخط، لأننا إذا افترضنا أننا أمام لجنة مختلفة عما نضرب به المثل فى كلامنا، فإن هذه اللجنة لن يكون مطلوباً منها إحياء مجرد موضوع، بدلاً من تمويته أو قتله، وإنما سيكون عليها إحياء بلد بكامله، بإدخال قوانينه إلى هذا العصر، وإذا شئنا الدقة قلنا إدخالها إلى عام 2014 وما بعده من أعوام!