سليمان جودة
أتصور أن تكون الحكاية التى رواها زميلى «نيوتن» فى عموده، صباح أمس الأول، عن الدكتور إبراهيم كامل، قد أصابت كثيرين بحزن بالغ، وأتصور أن يكون الحزن ليس فقط على ما لحق بالرجل من أذى، بامتداد عام وأكثر، وإنما أيضاً على أوضاع عامة منحرفة وسيئة، لا يجوز أن تستمر معنا، فى عهد نريده، بل نراه مختلفاً عن كل ما سبق، وعلى النقيض من كل ما مضى.
وإذا كان الأمر قد وصل مع الدكتور إبراهيم إلى حد التفكير فعلاً فى الهجرة من البلد، بأولاده وجميع متعلقاته، فمعنى هذا أن الخطأ قطعاً لم يكن فيه، بقدر ما كان فى أمور عامة لا يليق بنا أبداً أن تكون موجودة بيننا، فى عام 2014، وفى ظل وجود رجل أمين وشجاع من نوعية الرئيس السيسى على رأس السلطة.
ولو كنت فى مكان المهندس إبراهيم محلب، لدعوت الدكتور إبراهيم على الفور إلى فنجان القهوة، ثم اعتذرت له عما أصابه، وأفهمته أن ما حدث فى حقه كان عن خلط وقع، وأنه لن يتكرر مرة أخرى معه، ولا مع غيره.. وأتمنى أن يفعلها «محلب» بكل ما نضع على كتفيه من آمال فى تغيير مثل هذه الأوضاع.
وقد كانت حكاية الدكتور، لمن لم يطالعها، تتلخص فى أنه تعرض بامتداد ما يزيد على السنة، لمنع من السفر، من النوع الذى يبدو أنه تعسفى فى مضمونه.. وإلا.. فما معنى أن يتقرر منعه من مغادرة البلاد، لمرافقة زوجته المريضة، أو حتى للحاق بها بعد أن سافرت وحدها مضطرة، إلى أن توفاها الله - تعالى - دون أن يراها، فضلاً عن أن يرافقها، رغم محاولات متعددة من جانبه، على طول فترة العلاج؟!.. أين روح القانون إذا كانت هذه هى نصوصه الجامدة؟!
وإذا كان لى أن أتمنى شيئاً آخر على المهندس محلب، فهذا الشىء هو أن يسارع من موقعه إلى تقنين مسألة المنع من السفر، بحيث يستثنى - مثلاً - الأطفال، والنساء، وكبار السن، أو الذين تجاوزوا سناً محددة من الرجال، لأنه ليس من اللائق فى حقنا، أن نمنع طفلاً، أو امرأة، أو رجلاً تجاوز الستين، من مغادرة بلدهم، ولو أننا قنناها بهذا الشكل، وجعلنا قرارها فى يد جهاز واحد فى الدولة، لا عشرة أجهزة، ثم فر من بين أيدينا رجل مطلوب للعدالة، بسبب هذا التقنين، فإن فرار مائة مذنب، كما قيل، خير من إدانة برىء واحد.
وأقول «إدانة برىء واحد» لأن المنع من السفر، خصوصاً إذا وقع فى حق امرأة، أو طفل، أو طاعن فى السن أو حتى أى شخص، يظل بمثابة توقيع عقوبة عليه، دون تحقيق مسبق، ودون إدانة واضحة بأى جريمة!
لقد جاء وقت على البلد، فيما بعد 25 يناير 2011، كان كثيرون يذهبون إلى المطار، وكانت تذاكر الطيران فى أيديهم، والتأشيرات جاهزة على جوازات سفرهم، ومع ذلك، فإن كل واحد منهم كان يطلب من سائقه، أن ينتظر خارج المطار، لأنه، أى المسافر، ربما يعود معه إلى البيت، إذا ما اكتشف فجأة، وبينه وبين الطائرة خطوات، أنه ممنوع من السفر!
أجواء كهذه، كانت فى تلك الأيام ثقيلة للغاية على صدر كل إنسان محب لهذا الوطن، وكان كل إنسان من هذا النوع يراها سحابة كئيبة لابد أن تنقشع من سماء بلدنا الحبيب.
نريد فى هذا العصر أن نصدر للناس دوماً صورة الدولة العادلة بالمعنى الحرفى للكلمة، وقد قال فقهاؤنا العقلاء إن الله - تعالى - لا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة!