سليمان جودة
أعود إلى موضوع محطة مياه مدينة بلبيس، الذى أثرته فى هذا المكان مرتين من قبل، لعدة أسباب:
أولاً، إننا نتكلم عن محطة تكلفت 570 مليون جنيه، وتخدم أكثر من 600 ألف مواطن فى المدينة، وما حولها، بما يعنى أنك أمام هذا العدد من المواطنين، الذين يشربون ماءً نظيفاً لأول مرة، وبالتالى فالموضوع يستحق!
ثانياً، إن المحطة حين قيل إن الماء تسرب من أرضيتها، يوم افتتاحها، قبل نحو شهر من الآن، قد ارتبط عندى، بموضوع مغربى مماثل، عندما تسرب الماء أيضاً، فى أرضية ملعب كرة فى الرباط، فى الفترة نفسها التى افتتح فيها المهندس محلب محطة بلبيس، وقد أدى التسرب فى ملعب العاصمة المغربية إلى إعفاء وزير الرياضة والشباب من منصبه، ولايزال الموضوع حديث الصحافة المغربية إلى اليوم.
ثالثاً، إننى لمست اهتماماً من جانب وزارة الإسكان، باعتبارها الوزارة المختصة، بما أثرته، فى اليوم نفسه، وكان أن جاءنى رد من المهندس ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف، ونشرته، وكان الرد يفيد بأن ما حدث فى المحطة، يوم افتتاحها، كان خطأ بشرياً عابراً، وأن ما حدث من تسرب، جرى احتواؤه فى اليوم ذاته، وأن القصة على بعضها لا تتجاوز هذا الإطار.
رابعاً، وهذا هو الأهم، إننى وجدت حرصاً من الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، على أن يبين لى، وللقارئ بالتالى، الذى هو القصد فى كل الأحوال، أن المحطة تعمل حالياً بشكل طبيعى، وأن مئات الآلاف من مواطنى المدينة، ومن مواطنى قراها والأحياء السكنية التابعة لها، يشربون من ماء النيل، النظيف، لأول مرة، وأن هذا هو ما يسعده كوزير مسؤول، وأنه لم يكن ليدارى على أى فساد، أياً كان حجمه، أو أى مخالفات، أياً كان حجمها، فى عملية إنشاء المحطة!
هنا.. أكبرت فى الوزير مدبولى، هذا الحرص، على إيضاح الحقيقة للرأى العام، وهذا التمسك بأن يوضح الموضوع ذاته، مرة، ومرتين، وربما ثلاثاً، لأنه يؤمن بأن هذا هو حق الناس، فى الأول وفى الآخر، ويؤمن كذلك، بأنك فى عصر لا تستطيع فيه كمسؤول أن تخفى شيئاً عن أعين الإعلام، التى تجدها مفتوحة فى كل مكان، وفى كل ركن.
ورغم أننى أعرف الدكتور مدبولى، منذ ما قبل 25 يناير 2011، ومنذ أن كان قيادة بارزة وقتها فى الوزارة، إلا أننا لم نتقابل إلا عدة مرات معدودة على أصابع اليد الواحدة، وقد كانت كلها عابرة، وفى مناسبات عامة، إلا أن ما سمعته عنه، من وزيره المسؤول، يوم عرفته، قبل 25 يناير، وما أسمعه عنه، الآن، يجعلنى أقول إنه رجل راغب فى خدمة بلده، بالمعنى الذى نريده، وأنه جالس فى مكانه، كوزير، بهدف أداء هذه الخدمة العامة، لا أكثر، وأنهم لو خيروه، لاختار وظيفة دولية كان فيها، وجاءوا به منها إلى منصبه مباشرة، وخلفاً للمهندس محلب!
ولابد أنه فارق كبير، بين أن يكون المرء فى منصب خارج مصر، يتقاضى منه الشىء الفلانى، فيتركه، تحت ضغط حاجة بلده إليه، وبين أن يكون المرء جالساً فى بيته، ويسعى بكل السبل إلى أن يكون فى منصب، أى منصب، متصوراً أن فى المناصب، هذه الأيام، مغنماً، وهو الأمر غير الصحيح.. لقد كانت كذلك، فى زمن مضى، ولا أظن أنها ستعود كما كانت، فى الأمد المنظور!
أردت فقط، من وراء هذا كله، أن أقول، إن نموذج الدكتور مدبولى قد حفزنى لأن أكتب هذه السطور، منبهاً إلى ضرورة أن يعى المسؤول الآن، أى مسؤول، أنه جاء إلى منصبه، ليقدم خدمة عامة آدمية للناس، طال غيابها، كخدمة عامة وآدمية، عنهم، وطال شوقهم إليها، وقد آن لهم أن يجدوها.