سوف تظل أنت تبحث عن شىء محدد، يكون المجتمعون فى سويسرا قد اتفقوا عليه، يوم الجمعة الماضى، فلا تجد، وإذا وجدت فسوف تكتشف أنك أمام أشياء غير مقنعة بالمرة!
أما المجتمعون فقد كانوا يمثلون إيران، من جانب، ثم مجموعة دول 5+1، من جانب آخر!
أما الدول الخمس فهى الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، التى تستحوذ على المقاعد الخمسة الدائمة فى مجلس الأمن.. وتبقى ألمانيا لتمثل هى هذا الواحد الزائد!
انخرط الطرفان لشهور، وأسابيع، وأيام فى سويسرا مرة، وفى النمسا مرات، وفى عمان مرات أخرى، من أجل التوصل إلى اتفاق حول ما صار يسمى برنامج إيران النووى!
ولابد أنك كنت تسأل نفسك، طوال تلك الفترة، التى راحوا يتنقلون خلالها بين العواصم، كمفاوضين يمثلون سبع دول، عن الشىء الذى يراد التوصل إليه بالضبط، وعن العقبة التى تقف فى طريق الوصول إلى هذا الشىء بالتحديد.. لابد!
وحين اتفقوا، مبدئياً، الجمعة الماضى، وقالوا إن هذا هو ما توافقنا حوله، كان لابد أيضاً لكل عاقل أن يتبين أنه أمام احتمال من اثنين: إما أن يكون هذا الشىء المعلن من جانبهم، وعلى لسانهم، هو ما توافقوا عليه فعلاً، أو أن يكون هناك شىء آخر غير معلن، كان هو، لا غيره، موضع الاتفاق والتوافق.
من ناحيتى أميل إلى هذا الاحتمال الثانى، لا لشىء إلا لأنه ليس معقولاً أن يخرجوا علينا، بعد جولات وجولات ممتدة، مكانياً وزمانياً، ليقولوا إن التوافق المبدئى تم حول خفض أجهزة الطرد المركزى لدى إيران بمقدار الثلث، فى مقابل رفع تدريجى للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة، ومن أوروبا!
والسؤال هو: إذا كانت المسألة بهذه السهولة، فلماذا سارع أوباما، بعد الإعلان عن التوافق، إلى الاتصال بالملك سلمان فى الرياض، لطمأنته، أولاً، على أنه ليس فى الاتفاق ما يضر السعودية ولا الخليج، ثم لدعوته، ثانياً، مع حكام باقى دول الخليج الخمس، إلى قمة فى كامب ديفيد، خلال هذا الربيع.. لماذا؟!
منذ البداية، كان هناك خطأ أساسى هو عدم وجود دول الخليج طرفاً فى التفاوض، وقد كان وجودها أمراً من حقها، أولاً، لأنها مجاورة، على نحو مباشر، لإيران، ولا يفصل بينهما سوى ماء الخليج الجارى، ثم إن حضورها طرفاً مباشراً، على أى مائدة تفاوض، كان كفيلاً بأن تطمئن هى بنفسها، لا أن يأتى طرف آخر ليطلب منها أن تطمئنه، وهذا الطرف الذى هو الولايات المتحدة ليس فوق مستوى الشبهات، فالتجارب كلها تنطق لنا وللخليج بهذا المعنى، وبكل المعانى المماثلة!
القول إن الحكاية كلها مجرد خفض لعدد أجهزة الطرد المركزى، فى مقابل رفع عقوبات اقتصادية، فيه استخفاف بعقولنا إلى حدود مزرية، لأن هذه الأجهزة، التى هى طريق إلى تخصيب اليورانيوم، لإنتاج القنبلة النووية فى النهاية، قد تكون، أقصد أجهزة الطرد المركزى، جزءاً من الموضوع، غير أن أى قراءة متمعنة للمشهد تقول إنها بالقطع ليست الموضوع كله!
ما الحل؟!.. الحل أنه إذا كان ما جرى هو مجرد اتفاق مبدئى، وإذا كان الاتفاق النهائى سوف يكون فى آخر يونيو المقبل، فأمام دول الخليج الست، حين تجد نفسها فى كامب ديفيد، أن تكون طرفاً فى هذا الاتفاق النهائى، وأن تكون جالسة وقتها، وحاضرة، وأن تكون على يقين من أنها حين تعلن مثل هذا الطلب، وتتمسك به، وتصر عليه، فإنها تتمسك بأمر لا يخص مجرد أمنها، ولكن يمس وجودها ذاته!
تستطيع عواصم الخليج الست أن تصل إلى الاتفاق النهائى، وهى مطمئنة، لو أنها استلهمت فى قمة كامب ديفيد، وفى غيرها، روح قمة شرم!