سليمان جودة
إذا اتفقنا على أن تجربة بولندا فى التحول، سياسياً بوجه عام، واقتصادياً بشكل خاص، مفيدة لنا، فسوف أنتقل إلى محاولة الإجابة على سؤالين حاسمين فى الموضوع كانا يملآن عقلى، طوال أيام وجودى هناك.
السؤال الأول هو: لماذا كان التحول مرتبطاً عندها، على مستواه الاقتصادى، بالتخلص من القطاع العام؟! والسؤال الثانى: كيف تخلصت منه؟!
أما لماذا؟ فلأنهم قد جربوه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، إلى انهيار الاتحاد السوفيتى فى 1991، وقد ثبت لديهم، على مدى تلك السنوات أنه ليس هو الحل، وأنه لو كان حلاً، لكان قد نفعهم، أو حتى نفع غيرهم.. وقد كانت أى نظرة عابرة منهم، على ألمانيا الغربية الرأسمالية، لا ألمانيا الشرقية المجاورة لهم وقتها، والتى كانت شيوعية مثلهم، تقول بأن الغربية أحسن حالاً بما لا يقاس بالشرقية، التى لم تجد حلاً هى الأخرى فى نهاية المطاف، إلا أن تعود لشقيقتها الغربية، وأن تلعن أيام الشيوعية، والاشتراكية، والقطاع العام، فى كل كتاب!
والسؤال الثانى: كيف تخلصت بولندا من قطاعها العام؟!.. لقد كان ذلك بعدة أدوات، أولاها إطلاق التقاعد المبكر للعاملين فيه، وتعويضهم بشكل مناسب، قدر الإمكان، وكانت الأولى والثانية، هى دعوة مستثمرى القطاع الخاص، للاستثمار فى وحدات القطاع العام التى قررت الدولة أن تخفف منها، وكانت الأداة الثالثة هى إعادة تأهيل عمال هذا القطاع وموظفيه فى الوحدات التى قرروا الاحتفاظ بها، وهى قليلة للغاية، ومعدودة، بل ومحددة فى مادة من مواد الدستور، بالاسم والعنوان!
وكانت هناك أداة رابعة، ربما هى الأهم، وكانت تتمثل فى دعوة المواطنين للاكتتاب فى عدد من شركات القطاع العام، ليكون للمال فيه صاحب، يسأل عنه، ويحاسب جمعياته العمومية، ويطرد القيادات التى تخسر ولا تربح.
عمليات الهيكلة، وإعادة الهيكلة، ثم إعادة إعادة الهيكلة ذاتها، فى قطاعنا العام، لن تجدى فى شىء، ولو كانت مجدية، لكان غيرنا أشطر، وهى ليست إلا استنزافاً لمال عام يتم إلقاؤه فى بئر بلا قاع، اسمه القطاع العام، ولابد أن نكون صرحاء مع أنفسنا، ومع الناس، وأن نقول لهم، إن هذا هو الحل الذى جربته بولندا، وغير بولندا، ولا حل غيره.. وإذا كان حلاً مؤلماً، لبعض الوقت، ولبعض المصريين، فهذه هى طبيعته، لأنه دواء، ولأن الدواء دائماً مُر، ولم يعرف العالم بعد نوعاً من الدواء حلو المذاق!
وليس أمامنا سوى أن يخرج مسؤولونا الذين يعنيهم الأمر علينا، ليقولوا بأن عندنا العدد الفلانى من شركات القطاع العام، وأننا سوف نحتفظ بعدد محدد، بل محدود، منها، هو كذا.. وكذا.. على وجه التحديد، ولأسباب واضحة يجرى إعلانها صراحة، على كل مواطن، وأن ماعدا هذا العدد المحدود، سوف نتلخص منه، فى أمد زمنى له سقف، هو كذا، وأن ذلك سوف يتم بهذه الأداة، أو تلك، من الأدوات البولندية، أو من غيرها مما هو مناسب لنا.. وهكذا.. وهكذا!
وإذا أردتم رجلاً محيطاً بتجربة بولندا، فى هذا الاتجاه، فاسألوا الدكتور خالد زكريا، الأستاذ فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لأنه يعرفها كما يعرف كف يده.. ثم إنه جاهز.