سليمان جودة
تتشابه أسماء بعض الصحف فى المغرب مع أسماء بعض صحفنا، إلى حد التطابق، فعندهم أربع صحف بالأسماء التالية: الأخبار، أخبار اليوم، الصباح، المساء.. وكما ترى، فهى أسماء لأربع صحف يومية وأسبوعية عندنا، مع فارق واحد طريف هو أن «المساء» هناك تصدر عند كل صباح، وليس فى المساء، كما يوحى اسمها بالضرورة!
وبالنسبة لى، فإن لى شغفاً خاصاً بهذه الصحف الأربع على وجه الخصوص، ولا يمكن أن أكون هناك، ثم يفوتنى أن أراها جميعاً فى كل نهار.
وفى الصحف الأربع كاتبان يتابعهما الإخوة المغاربة بإعجاب، ويخشاهما المسؤولون فى الحكومة.. أما أولهما فهو توفيق بوعشرين، رئيس تحرير «أخبار اليوم»، الذى يكتب افتتاحية يومية تتميز بالشجاعة، والجرأة، فضلاً عن أسلوبه السهل، وقد دفع حريته ثمناً لآرائه الجريئة ذات يوم.
وأذكر أنى كتبت عنه، فى هذا المكان، وقت حبسه، وكان اللافت للانتباه وقتها أن صحيفته كانت تتعمد ترك مساحته التى يكتبها بيضاء تماماً فى كل عدد من الصحيفة، أثناء غيابه وراء القضبان، وكان هذا وحده كافياً لأن يلفت نظر قراء الجريدة إلى أن جريمة جرى ارتكابها فى حقهم، بحبس كاتب يتبنى قضاياهم فى كل صباح.
وأما الثانى فهو رشيد نينى، رئيس تحرير «الأخبار»، وعنده مقال يومى على عمودين بطول الصفحة الأخيرة، ولا تكاد تبدأ قراءته، حتى تجد نفسك مشدوداً إلى نهايته، مع كلمات تبدو أقرب إلى الرصاص الحى، منها إلى أى شىء آخر.
ولا تسكت الصحافة المغربية عموماً، أو هذه الصحف الأربع خصوصاً، عن شىء يخص حياة الناس ومصالحهم هناك، وفى كل يوم تجد أن وزيراً، أو أكثر، أو حتى رئيس الحكومة، موضع حملة صحفية قاسية تفتش فى أدق تفاصيل عمله، ولا ترحمه، أياً كان منصبه، من أول عبدالإله بن كيران، رئيس الوزراء نفسه، نزولاً لأصغر مسؤول!
وقد اشتهر عن «عبدالإله» غرام خاص عنده بإطلاق أسماء حيوانات على بعض معارضيه، فهذا ذئب - مثلاً - وذاك ثعلب، وثالث يشبه وحيد القرن.. ورابع يماثل فرس النهر.. وهكذا.. وهكذا.. وهو الأمر الذى تستغله الصحافة المغربية، وتدخل مع بن كيران فى نقاشات وتعليقات لا تخلو من متعة لمتابعيها.
وما جاء فى صدر صحيفة «الأخبار»، أمس الأول، يظل أقوى مؤشر على أن مساحة الحرية المتاحة لها، كصحيفة، ولغيرها، كبيرة.. فوزير النقل عندهم اسمه عزيز رباح، وكان فى زيارة لصالون أدبى قبل أيام، وهناك راح يعدد للحاضرين ما قام به، أو ما سوف يقوم به، فما كان من أحد المواطنين الذين فاض بهم الكيل، إلا أن وقف وصاح فى وجه الوزير: أنت كذاب.. أنت كذاب.. أنت كذاب!
قالها المواطن، ثلاثاً، فلم يملك الوزير إلا أن يسكت، بل إنه انسحب من باب خلفى وانصرف!.. وقد نقلت الصحيفة ما حدث بتفاصيله، ودللت به على مدى تحلل المسؤول بوجه عام من وعوده عندما يصبح على الكرسى!
وسؤالى هو: كم وزيراً أو مسؤولاً عندنا يجب أن نصيح فى وجوههم الصيحة نفسها.. وبالثلاثة.. كم؟!