سليمان جودة
أحكام القضاء، فى درجاتها الأولى، ليست قرآناً، وما أقصده أن القانون نفسه قد نظم طريق الطعن على أى حكم، وقال إن أمام المتضرر من أى حكم قضائى عادى أن يطلب معارضته، أو الاستئناف عليه، وإن أمام المتضرر من الحكم القضائى غير العادى أن يطعن بالنقض عليه، أو يتقدم إزاءه بطلب إعادة نظر.. هكذا نظم القانون أمورنا، ووضع نقاطها فوق حروفها تماماً.
أقول هذا، وأعود لأؤكد عليه، بعد حكم القضاء الإدارى، أمس الأول، بإلغاء مولد أبوحصيرة، الذى يُقام فى البحيرة فى كل عام، بل إنه قضى بشطب ضريح أبوحصيرة نفسه من قائمة الآثار المصرية، بعد أن كان قد صدر قرار بضمه إلى هذه القائمة، على يد الفنان فاروق حسنى، فى زمن مضى.
ذلك أنه من حق القضاء، سواء كان إدارياً أو غير إدارى، أن يُصدر أحكامه وفق ما يرى.. فهذا شأنه الذى ليس من حق أحد أن ينازعه فيه.. غير أن هناك دولة فى المقابل، ولابد أن على هذه الدولة أن تتحرك بسرعة، حين ترى أن حكماً من الأحكام سوف يلحق الضرر بصورتها، كدولة، أمام العالم.. لابد.. وإلا انتفت عنها صفة الدولة أصلاً!
وعندما طالعت صحف أمس، أى بعد صدور الحكم بـ24 ساعة، لم أقرأ شيئاً لمسؤول مختص فى الدولة، فى هذا الاتجاه، وكأن الموضوع لا يعنيها، مع أنه يعنيها بالثلاثة، ومع أننا كنا نتصور أنها سوف تتحرك بعد الحكم، وتقول، ما معناه، إن هناك ألف طريقة للاعتراض على الطريقة التى يتم بها تنظيم المولد فى البحيرة سنوياً، وإن إلغاء الاحتفال من أساسه ليس من بين هذه الطرق الألف.. وكنا نتخيل، ولانزال نتخيل، ثم نتوقع، أن تتحرك الدولة وتقول إن هناك أيضاً ألف طريقة للاعتراض على طقوس المولد السنوى، وإن شطب الضريح اليهودى، من بين قائمة آثارنا ليس أبداً من بين هذه الطرق الألف.
إننى أخشى إذا التزمت الدولة الصمت، أمام حكم كهذا، أن يخرج من بيننا واحد، بعد فترة، ويطلب شطب المعابد اليهودية الموجودة على أرض مصر من بين قوائم آثارنا، ثم يخرج واحد آخر من بعده، ويطلب شطب المعابد الفرعونية، وهكذا.. وهكذا.. إلى أن نصبح دولة بلا آثار، وبالتالى بلا تاريخ، ولا حتى ذاكرة!
لقد قلت، وأقول من جديد، إنه إذا كان صحيحاً أن يعقوب أبوحصيرة، صاحب الضريح، يهودى، فالأصح من هذا أنه عاش ومات قبل عام 1948، أى قبل أن يكون لإسرائيل وجود أصلاً، وبالتالى، فلا علاقة له بها، ولا علاقة لها به، وإذا كان اليهود الذين يحضرون الاحتفال بمولده فى كل عام، حول ضريحه، يأتون أفعالاً أو سلوكيات لا نرضاها، فيمكن جداً إلزامهم بالأصول والتقاليد، دون أن يكون البديل هو إلغاء الاحتفال، وشطب الضريح من الوجود!
والحقيقة أن الدولة إذا التزمت الصمت فسوف لا يكون هناك فارق بينها وبين السلفيين الذين كانوا قد انطلقوا، فيما بعد 25 يناير 2011، يدمرون أضرحة أولياء الله فى القرى والأقاليم، ويحطمونها فوق رفات أصحابها، فى حركة همجية، لم يكن لها معنى إلا أنهم لم يكونوا يعيشون بيننا بالمرة، وكانوا يصممون على العيش فى قرون مضت، ولن تعود!
هل هناك فرق إذا التزمت الأجهزة المعنية الصمت؟!.. أرجو أن تنتبه الدولة إلى أن تراث المصريين، سواء كان إسلامياً، أو مسيحياً، أو يهودياً، لا يجوز العبث به على أى نحو.. لا يجوز أبداً ولا يليق!