قبل أيام، سألت الدكتور حسام بدراوى عن الكثافة الطبيعية للطلاب فى أى فصل، من أى مدرسة، فقال: فى حدود 40 طالباً.. لا أكثر!
قلت: وكم تبلغ الآن فى فصول مدارس الحكومة؟! قال: 80 طالباً.. وربما أكثر!
قلت: وما الحل؟!.. قال: نحتاج إلى أن نبنى 50 ألف فصل سنوياً، على مدى 15 سنة متوالية، لنصل إلى الكثافة الأمثل!
تذكرت هذا الحوار مع الرجل، حين تأملت، صباح أمس، صور طلابنا وتلاميذنا، فى أول يوم دراسى لهم هذا العام، وسألت نفسى عما إذا كان أى واحد منهم سوف يحصل على أى تعليم حقيقى، فى ظل الكثافة الحالية، فى كل فصل، فضلاً، بالطبع، عن حال الفصل نفسه، كمكان لتلقى العلم: ثم حال المدرس، ومن بعده المنهج أو المقرر الذى يدرسه كل طالب؟!
وفى أول هذا الشهر، كان الدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم، قد اجتمع مع عدد من الشباب، واشتكى يومها من أن وزارته لا تجد قطعة الأرض المطلوبة لبناء مدرسة، فى أكثر من مكان، رغم توافر التمويل اللازم لديها، وطلب الرجل مساعدة المجتمع المدنى، وناشده، فيما يشبه الرجاء، أن يكون عوناً للوزارة، فى هذا الاتجاه!
ولا أعرف ما إذا كان رجاء الوزير أبوالنصر قد وصل إلى آذان الذين يجب أن يصل إليهم، وأن يستجيبوا، أم لا، ولكن ما أعرفه أنى سأضع أمام كل قادر فى هذا البلد ما جرى، قبل أسابيع، مع جامعة هارفارد الأمريكية، من جانب طالب كان قد درس فيها زمان، ثم صار من القادرين جداً الآن.
لقد فوجئت الجامعة بأن أحد طلابها الذين تتلمذوا فيها، من قبل، قد أرسل إليها هبة منه شخصياً بلغت 350 مليون دولار، أى ما يقرب من 2.5 مليار جنيه مصرى!
الغريب أن الطالب ليس أمريكياً، بل هو من هونج كونج، واسمه جيرالد تشان، وقد رأى، حين بلغ من الثروة ما بلغه حالياً، أن هذا أقل واجب يمكن أن يقدمه للجامعة التى تعلم فيها ذات يوم!
الجامعة من جانبها قالت إن هذه أكبر هبة تتلقاها فى تاريخها كله، وثالث أكبر هبة تتلقاها أى جامعة فى العالم، وتكريماً للطالب المتبرع، فإنها قررت إطلاق اسم والده على كلية الصحة العامة فيها!
قرأت الخبر مرتين، وفى كل مرة كنت أعود لأسأل نفسى عما يمكن أن يصل إليه تعليمنا من مستوى، لو أن كل قادر فى مجتمعنا، فى الوقت الراهن، قد تعامل مع جامعته، أو مدرسته، بالمنطق نفسه الذى تعامل به طالب هونج كونج مع جامعته الأمريكية؟!
هل تبقى جامعة عندنا، بعدها، فى حاجة إلى عون من الدولة؟ وهل تبقى مدرسة، بعدها أيضاً، بكثافة 80 طالباً، أو أكثر، فى كل فصل؟!.. وهل سيكون الوزير أبوالنصر، أو أى وزير تعليم، غيره، فى حاجة، بعدها كذلك، إلى أن يناشد المجتمع المدنى أن يساعده، ويسعفه؟!
التعليم فى بلدنا لا يجوز أن يكون هماً للحكومة وحدها، لكنه يجب أن يكون هماً لدى كل قادر، ولابد على الدولة أن تضع نظاماً محكماً، يغرى كل قادر بأن يرسل ما يشاء من هبات إلى مدرسته، أو جامعته، وهو ضامن أن ما أرسله سوف يمشى فى طريقه الصحيح، وسوف يحقق هدفه، وسوف ينقل مدرسته، أو جامعته من حال إلى حال آخر تماماً.
كم واحداً فى ثراء «جيرالد تشان» بيننا؟!.. وماذا عن كل قادر منهم أن يقدم لجامعته التى تلقى العلم فى قاعاتها، أو المدرسة التى تربى فيها؟!.. وإذا لم يقدموا الآن.. فمتى؟!