سليمان جودة
القصة بدأت رياضية مجردة، فى واحد من ملاعب إسبانيا، ثم تحولت إلى قضية سياسية بامتياز.. وقد كانت البداية عندما قذف مشجع لنادى فياريال الإسبانى إصبعاً من الموز على اللاعب دانى ألفيش، ظهير أيمن نادى برشلونة!
المباراة كانت بين برشلونة وفياريال، وكان الأول متفوقاً، فلم يجد مشجع الثانى طريقة يعبر بها عن خيبة أمله فى فريقه المنهزم، إلا أن يقذف الموز على ألفيش، وهو برازيلى الجنسية. كما أنه أسمر البشرة، أو أنه يميل إلى السمرة!
الدنيا قامت، ولم تقعد بعد، وأعلن بان كى مون، الأمين العام للأمم المتحدة، حزنه البالغ على أن تصل الروح فى الملاعب إلى هذه الدرجة المتدنية فى التعبير عن الرأى، فالمشجع صاحب الفعل المتدنى لم يقذف اللاعب بما قذفه به، لأنه فقط أسمر اللون، أو لأن السمرة تغلب على لون بشرته، وأن الإسبانى الأبيض، بالتالى، أفضل منه، وإنما كان هناك شىء آخر محزن فى الأمر، وهو أن قذف أى إنسان بالموز معناه أنه قرد، أو أنه ينتمى إلى فصيلة القرود، لا إلى بنى آدم، بكل ما فى ذلك من عنصرية مقيتة، لم يعد لها مكان فى هذا العصر!
ولعل أطرف ما فى الموضوع أن ألفيش قد تلقف إصبع الموز، ثم راح يقشره، ويأكله، على مرأى من العالم، بما أثار إعجاب الملايين حول العالم بسلوك من هذا النوع، أراد أن يرد به هو على عنصرية المشجع البذىء!
وليست هناك قضية تفاعلت فى تداعياتها كما تفاعلت هذه القضية، إذ إن رد فعلها لم يتوقف عند حدود أمين عام الأمم المتحدة، وإنما وصل إلى «بلاتر» السويسرى، رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم، الذى أعلن رفضه الكامل لتصرف المشجع الأحمق، وقال إنه سوف يعمل على ألا تشهد الملاعب فى المستقبل أى تصرف لأى مشجع، على هذا المستوى الرخيص، وإن عقاباً رادعاً سوف ينتظر هذا المشجع وغيره من المشجعين الذين قد يتصرفون على نحو ما تصرف!
وكانت «روسيف»، رئيسة البرازيل، على الخط، فوقفت مع مواطنها ألفيش برجولة مدهشة، وامتدحت تصرفه حين التهم إصبع الموز، وقالت إننا فى العالم كله نعود إلى أصل واحد، كبنى آدمين، وإن الشىء الوحيد الذى يميز إنساناً عن الآخر هو تسامحه مع كل الذين هم سواه، وإن هذه هى الرسالة التى سوف تعمل هى على أن تبعث بها كأس العالم إلى الدنيا عندما تستضيفها بلادها فى 12 يونيو المقبل!
وهنا، بالضبط، يأتى دورنا نحن فى هذه القضية كلها على بعضها، لأننا نعرف أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مدعو لأن يلقى كلمة فى كأس العالم هناك، وأنه كان قد استقبل سفير البرازيل فى القاهرة، قبل أسابيع، لهذا الغرض، ولذلك فإن هذه فرصة لا يجوز أن تفوت الأزهر، كمؤسسة، بأى حال.
إننى أتصور أن يستثمر الأزهر هذه الفرصة، وأن يغتنمها كما يجب، وأن يخرج عنه بيان يقول إن كل المعانى التى جاءت فى ردود الفعل، سواء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة، أو رئيسة البرازيل، أو «بلاتر» أو غيرهم، إنما هى جوهر ما جاء به الإسلام، كما أنها أصل رسالة الأزهر فى العالم بامتداده، وأنه كأزهر، يرفض ما تعرض له اللاعب، ويعلن أن المشجع المخطئ، قد تصرف على صورة تتناقض مع مبادئ الأديان السماوية، بشكل عام، ومع المقاصد العليا للدين الإسلامى، بشكل خاص!
هذه فرصة يجب ألا تفوتنا أبداً، ليس فقط فى كلمة الإمام الأكبر أمام كأس العالم، وإنما فى وسط الضجة المثارة عالمياً حول الواقعة هذه الأيام، لعل العالم كله يفهم منها أن بيت الاعتدال فى مصر، وفى العالم الإسلامى، هو الأزهر بكل تاريخه، وبحاضره أيضاً، وليس الإخوان، أهل العنف، والدم، والإرهاب!
لا تفوتك هذه الفرصة يا فضيلة الإمام الأكبر، فالعالم بأركانه الأربعة سوف ينصت لك، وأنت تضيف فيها.
"المصري اليوم"