سليمان جودة
شىء مؤكد تخرج به وأنت تتابع جولة الرئيس التى افتتح خلالها 39 مشروعاً، صباح أمس الأول.. هذا الشىء، هو أن الرئيس يشعر بعدم الرضا عن أداء عام مضى، على مستوى الحكومة، بل إنك سوف تستشعر أن عدم الرضا من جانب رأس الدولة قد تجاوز هذه المرحلة، ووصل إلى حد الغضب والسخط معاً!
وأظن أن غضب الرئيس الذى كان مكتوماً فى أغلبه قد وصل إلى مداه، حين قال اللواء عماد الألفى، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، هذه العبارة القاسية: كلهم باعونا يا ريس!
عبارة أطلقها الرجل، ثم مضى، دون أن يشرحها للناس، ودون أن يبين لنا شيئاً محدداً عن هؤلاء الذين باعوا الرئيس والفريق الذى يعمل معه، ولا عن مواقعهم.
وكنت أتوقع من الرئيس أن يستوقف اللواء الألفى، وأن يسأل بصراحة: من هؤلاء الذين باعونا؟!.. مَنْ؟!.. وكنت أتوقع من اللواء الألفى أن يستجيب لسؤال الرئيس، وأن يخاطب المصريين، واحداً واحداً، وأن يقول لهم إن فلاناً، وفلاناً، وعلاناً قد باعونا.. لعل هذا الشعب يعرف رأسه من قدميه، ولعله يعرف صديقه من عدوه، ولعله يعرف أين بالضبط يقف، وأين على وجه التحديد يضع قدميه!
وبمثل ما كانت عبارة اللواء الألفى، الغامضة، قاسية، بمثل ما كانت عبارة الرئيس للمهندس إبراهيم محلب، فى اللقاء ذاته، أشد قسوة، وكانت موجعة له، ولحكومته.
العبارة قالها الرئيس على الملأ، ونشرتها كل الصحف، وكان رأس الدولة يعاتب فيها رئيس حكومته، ويقول له- ما معناه- إنه، كرئيس حكومة، قد وعده، يوم جرى تكليفه برئاسة الوزارة بأن يكون «بلدوزر»، فلما مضى العام، ودار دورته، اكتشف الرئيس أن وعد رئيس حكومته له لم يتحقق!
هى عبارة فيها ظلم شديد لرئيس الحكومة، لسببين، أولهما أن المهندس محلب، كشخص، لم يقصِّـر- فى تقديرى- فى شىء.. بل إن كثيرين كانوا يشفقون عليه، على مدى العام كله، من كثرة حركته فى الشارع، وهى حركة بدت فى أوقات كثيرة فوق طاقته كبشر!
كانت هذه هى طريقته التى آمن بها، واعتمدها فى عمله، وهى طريقة كان لى اعتراض واضح عليها، فى هذا المكان، قبل شهور من الآن، ووقتها رد الرجل على ما كتبته، وقال- ما معناه- إن الظروف الاستثنائية التى يعمل فيها تفرض عليه مثل هذه الحركة الدائبة فى الشوارع والميادين، وكان على بعض الحق فيما قال وهو يرد.
كانت هذه، إذن، هى طريقته فى العمل، وهى طريقة مرتبطة ربما بطبيعة عمل المهندس محلب الميدانى، وقت أن كان على رأس «المقاولون العرب»، ويصعب عليه أن يتخلص منها بسهولة.. فهكذا نشأ.
السبب الثانى، الذى يجعل عبارة الرئيس لرئيس وزرائه، ظالمة، أن مجىء محلب إلى رئاسة أول حكومة للرئيس، قبل عام من الآن، كان يقتضى، بالضرورة، وضع رؤية لعمله، وعمل حكومته، مسبقاً، وكان يقتضى وجود خطاب تكليف مكتوب يقول له، ولحكومته، إن عليهم أن يفعلوا كذا.. وكذا.. وإن عليهم أن يتحركوا هكذا، وإن عليهم أن يمشوا فى هذا الطريق، لا ذاك الطريق.. وإن.. وإن... إلى آخره!
خطاب التكليف هذا، أو برنامج العمل، لم يكن موجوداً، يوم حلفت الحكومة اليمين الدستورية، فى السابعة صباحاً، ولذلك اتسم عمل الحكومة، بامتداد السنة، بشىء من العشوائية، لم تكن هى، كحكومة، مسؤولة عنها بمفردها، ولا يجوز أن نأتى لنحاسبها عليها الآن، لأن وجود خطاب تكليف واضح، يوم تكليفها، كان كفيلاً بمنع أى عشوائية فى العمل الحكومى بوجه عام، وهو خطاب كان مسؤولية الرئاسة وحدها، دون أى جهة غيرها!
لهذين السببين، لا يليق أن يتحول محلب، عند رأس العام الرئاسى الأول، إلى كبش فداء، ولا يليق أن نعامله كرئاسة، بهذه القسوة، فهو، فى حدود ما يستطيع، قد راح يقدم كل ما عنده، وزيادة!