سليمان جودة
قرأت إعلاناً فى أكثر من صحيفة، موجهاً من وزارة الزراعة، إلى الفلاحين، على النحو الآتى: أخى المزارع.. لتعظيم العائد لوحدة الأرض والمياه، شارك معنا فى تطوير الرى الحقلى!
وقد فرحت وحزنت فى الوقت نفسه، حين قرأت هذه العبارة الموجهة إلى عموم الفلاحين فى أنحاء البلد!
فرحت، لأنى رأيت أن لدى الوزارة المختصة بشؤون الأرض والزراعة فى بلدنا إحساساً بأن طريقة الرى الحالية لا يجوز أن تستمر، بشكلها الحالى، ولأنها تعرف، كوزارة مسؤولة، أنه ليس من المعقول أبداً، أن نكون فى عام 2014، ثم يكون الفلاح المصرى لايزال معتمداً، على الرى بالغمر، وهو نفسه الرى الذى كان أجدادنا الفراعنة يروون به الأرض فى زمانهم، وكأن الزمن لم يمر علينا، ولم يعبر من عندنا، منذ الفراعنة إلى الآن!.. غير أنه إذا كان من المهم أن تعرف الوزارة، هذا الأمر، فالأهم أن تترجم معرفتها لفعل.
ثم حزنت، لأننا لانزال فى مرحلة المناشدة مع المزارعين، ليشاركوا معنا فى تطوير الرى الحقلى.. إذ المتخيل أننا عبرنا هذه المرحلة من زمان، والمتصور أن نكون قد طورنا هذه الحكاية من سنين مضت، والمفترض أن يكون الرى بالغمر فى أرضنا قد اختفى منذ عقود من الزمان!
ولا شأن طبعاً لما أقوله هنا بحكاية سد النهضة، وما إذا كان نصيبنا من الماء سينقص بعده، أم سيظل كما هو.. لا.. لا شأن للموضوع بهذا، وإنما هذا الكلام له شأن أساسى بمدى إدراكنا لقيمة كل نقطة مياه قادمة إلينا، ومدى حرصنا على ألا نهدر نقطة واحدة.. نعم نقطة واحدة.. من ماء النيل، الذى أتصوره أغلى من البترول ذاته لدى الذين يعرفون ماذا يعنى أن يكون عندهم نهر بعظمة النيل، وماذا عليهم أن يفعلوا معه، ومع مياهه التى تجرى لألف كيلو من الجنوب للشمال!
وإذا كان لأحد أن يعرف حجم إهدارنا الإجرامى للماء العذب، فلا أطلب منه سوى أن يقارن بين كميات المياه المتاحة لإسرائيل، باعتبارها دولة ملاصقة لنا، وحجم إنتاجها الزراعى من هذه الكميات، وبين كميات المياه المتاحة لنا، وكذلك حجم إنتاجنا الزراعى من ورائها.. قارن، وسوف تصاب باكتئاب لن يفارقك!
منذ سنوات، ومنذ أيام الرئيس الأسبق مبارك، ونحن نقول إن لدينا ثروة لا يمكن تقديرها بكنوز الأرض، وإن هذه الثروة اسمها ماء النيل، وإن علينا أن نوظف كل قطرة فيها التوظيف الأمثل، وإن، وإن.. ولكن دون جدوى.. ثم تأتى لتقرأ، فى العام الرابع عشر من الألفية الثالثة، أننا لانزال نناشد أخانا المزارع أن يشارك معنا فى تطوير الرى الحقلى!
55 مليار متر مكعب من ماء النهر تتدفق إلينا كل عام، وهى كمية، لو أتيحت لدول من حولنا، لكانت صادرات هذه الدول، من منتجات الزراعة، قد غزت العالم كله، ولكانت هذه الكمية من الماء هى بترولها الحقيقى الذى لا يقل عن بترول الخليج، إن لم يكن يزيد!
وإذا كان الرئيس قد تحدث، حين كان مرشحاً رئاسياً، عن أن تطوير نظم الرى إلى النظم الأحدث فيها، من بين أولوياته، فالرجاء ألا يؤخر البدء فى هذا البند فى برنامجه الانتخابى ساعة واحدة، وأن يبدأ فيه من الغد، لا بعد الغد!
إن أى متابع للطريقة التى نهدر بها مياهنا، سواء فى الشرب، أو فى الرى، سوف يقطع بأننا لا نستحق هذا النيل، والطبيعة لابد أنها نادمة على أنها وهبتنا إياه!