سليمان جودة
مؤسف جداً أن يعلن الشيخ يوسف القرضاوى، يوم 26 يناير الماضى، أنه نادم على السنوات التى قضاها فى التقريب بين السنة والشيعة، لأنها كانت فى تقديره سنوات بلا نتيجة، وبلا حصيلة، ولأن الطرف الآخر هو الذى استفاد منها، ولأننا لم نستفد من ورائها شيئاً فى النهاية!
مؤسف جداً له، كداعية، ومؤسف جداً لنا نحن، كعرب، لأن الانسياق وراء ندمه يعنى أننا، بوعى أو دون وعى، سوف ننفذ بأيدينا ما يراد لهذه المنطقة من جانب أعدائها الذين يرغبون فى تمزيقها!
إن أحداً منا لا يتقبل، فى أى لحظة، محاولات بسط النفوذ التى لا تتوقف عنها إيران فى الخليج، وفى غير الخليج، ولكن الرفض الكامل لمثل هذه المحاولات، وكشفها أولاً بأول، لابد أن يكون على المستوى السياسى وحده، وأن يقوم به الساسة وحدهم، وأن ينهض به السياسيون بمفردهم.. أما رجال الدين، مثل القرضاوى، أو غير القرضاوى، فالمفترض أنهم أهل تقريب لا تفريق، والمفترض أيضاً أن يعملوا طوال الوقت فى اتجاه ردم الفجوة بين السنى والشيعى وبأى طريقة، ومن كل سبيل، وليس توسيعها تحت أى ظرف!
إننى أكتب كلمة «سنى» ثم كلمة «شيعى» فى هذه السطور مضطراً، لأنى لا أحب أبداً أن أرددهما، كما أنى على يقين من أن دفعنا إلى ترديدهما فى حديثنا اليومى مقصود تماماً، لعل المسلم يقع فى المسلم، وهذا هو المراد فى غاية المطاف!
ولست أفهم، إلى الآن، كيف يكون الرب للطرفين واحداً، ولا كيف يكون الرسول، عليه الصلاة والسلام، واحداً، ولا كيف يكون الكتاب المنُزل من السماء واحداً، ثم يكون بينهما خلاف أصلاً!.. كيف؟!
ولا أراهن على جهة فى هذا الاتجاه، قدر رهانى على الأزهر الشريف، لأنه بيت لكل مسلم، أياً كان مذهبه، ولأنه بمكانته بين جميع المسلمين، ثم بتاريخه لأكثر من ألف عام، مؤهل جداً لأن يكون هو «الجامع» بين المسلمين فى أى أرض كانوا، لا المفرق بينهم تحت أى ذريعة!
كنت أتوقع أن يقول الأزهر، فى بيان واضح، يوم 27 يناير، أى فى اليوم التالى مباشرة لكلام القرضاوى، إن فشل محاولات التقريب، أو انعدام حصيلتها، أو عدم وصولها إلى نتيجة، لا يجوز أبداً أن يسلمنا لليأس، ولا يجب أبداً أن يجعلنا نكفر بالتقريب كفريضة فى هذا الميدان، ولا ينبغى مطلقاً أن يصيبنا بالإحباط، لأن اليأس، ومعه الإحباط، ومعهما الكفر بعدم قدرة محاولات التقريب على إنجاز شىء.. كلها.. كلها يراد لنا أن نقع فيها، وألا يلتقى مسلمان إلا ليقتتلا، أو ليختلفا على الأقل!
طموح طهران سياسياً، فى دول بالمنطقة، مرفوض بالثلاثة، وتوظيفها الدين فى هذا السبيل موضع رفض كامل من كل عربى، ولكن علينا أن ننتبه إلى أن هناك من يغذى هذا الخلاف دينياً من خارج المنطقة، ثم يخلط فيه الدين بالسياسة، ليكون هو وحده المستفيد، لا نحن العرب، ولا إيران!