سليمان جودة
أسعفنى المستشار عدلى حسين بأن لفت انتباهى إلى مادة فى الدستور غابت عنا جميعاً، ونحن نتكلم طوال أيام مضت فى قضية منع أى شخص من السفر!
المادة رقم 62 من الدستور تقول: حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون.
فما معنى هذه المادة؟!.. الحقيقة أن لها عندى معنيين؛ أحدهما خاص، يتعلق بمسألة المنع من السفر، والثانى عام يتعلق بالدستور كله على بعضه!
أما الأول فهو أن هذه المادة تظل من مواد الدستور، التى يجب أن تطبق نفسها بنفسها، أى أنها ليست فى حاجة إلى قانون تحال إليه ليشرحها؛ لأنها تقول إن المنع من السفر لأى شخص لابد أن يكون أولاً بأمر قضائى مسبب، وأن يكون ثانياً، وهذا هو الأهم لمدة محددة.. ومرة أخرى لمدة محددة!
فهل يحتاج هذا الكلام إلى شرح؟!.. وإذا لم يكن فى حاجة إلى شرح، ثم إذا كان واضحاً وضوح الشمس هكذا، فما الذى يمنع أجهزة الدولة من تطبيقه؟ ولماذا لا يصدر المنع من السفر، إذا ما صدر بحق أى إنسان، بأمر قضائى مسبب، ثم لماذا لا يكون محدد المدة؟!
الحق أنه فى إمكان أى بنى آدم، يكون قد صدر ضده أمر بالمنع من السفر دون استيفاء هذه الشرطية، أن يحمل هذه المادة إلى أقرب محكمة، وأن يلغى ما صدر فى حقه على الفور، وأن يكون الإلغاء مبدأ نمشى عليه.
وللمرة العاشرة.. يريد المصريون أن يشعروا بأن الوضع بعد دستور 2014 مختلف عنه فى أى دستور سابق، وهو ما لم يحدث إلى الآن، ونريده أن يحدث وبسرعة؛ لأن منع أشخاص من السفر خلال أيام مضت قد تم، بكل أسف، دون أمر قضائى مسبب، ودون أن يكون محدد المدة!
كيف نستحل لأنفسنا منع أى إنسان من السفر مهما كانت التهمة الموجهة إليه، لأمد زمنى مطلق، وكأننا نحوِّل البلد بالنسبة له إلى سجن كبير، ثم كيف نمنعه دون أمر قضائى مسبب.. كيف؟!
إن القاعدة تقول إن إفلات مائة مجرم من العقاب أفضل من ظلم إنسان برىء، ولست أرى ظلماً لأحد أشد من أن يجد نفسه ممنوعاً من مغادرة بلده لمجرد أنه متهم فى قضية.. أى أنك تعاقبه قبل أن يدان أصلاً، وهذا ما لا يجوز فى أى عرف، ولا فى أى ملة، ولا فى أى دين!.. لا يجوز، ولا يليق بنا!
ثم إن القضية الأعم التى يكشف عنها وجود نص مثل هذه المادة فى ناحية، بينما الممارسة العملية فى موضوع المادة ذاته فى ناحية ثانية، هى أن دستورنا الجديد لم يطبقه أحد بعد، ومعناها أن على الذين يدخلون إلى مجلس النواب أعضاء جدداً وفى أذهانهم أن يطلبوا تعديل هذه المادة أو تلك منه أن يسكتوا تماماً، وأن يبحثوا عن شىء آخر يكون مفيداً للناس يفعلونه تحت القبة! فلم نطبق دستورنا بعد حتى نتكلم فى تعديله.. وأمامكم الدليل!
نقلاً عن "المصري اليوم"