سليمان جودة
حين قرأت خبر زيارة المهندس إبراهيم محلب إلى الأقصر، صباح أمس، تمنيت شيئين، أولهما أن يراجع الرئيس، السيسى، نفسه فيما قاله عن الضبعة، في خطابه مساء يوم تنصيبه رئيساً، في قصر القبة 8 يونيو الماضى، وثانيهما أن يكون المهندس محلب قد ذهب إلى الصعيد، وفى يده شخص مهم كان لابد أن يكون حاضراً في الزيارة، ولكن الواضح أنه غاب بكل أسف!
ففى مساء 8 يونيو، كان الرئيس قد ساوى، وهو يتكلم أمام المدعوين يومها، بين مشروع تنمية محور قناة السويس، ومشروع الضبعة النووى لتوليد الطاقة، وهى مساواة بينهما لا تجوز، لسببين أساسيين، أولهما أن مشروعاً نووياً لتوليد الطاقة، من نوع الضبعة، سوف يتكلف الكثير جداً، وسوف يرهقنا إنفاقاً، في وقت تئن فيه الخزانة العامة للدولة من مليارات الدعم المهدرة، وثانيهما أن دولاً كثيرة في أوروبا نفسها، ومنها ألمانيا على سبيل المثال، قد وضعت منذ سنين جدولاً زمنياً معلنا للتخلص من محطاتها النووية لتوليد الطاقة، وفى ظرف سنوات معدودة على أصابع اليد الواحدة، من الآن، سوف تصل إلى هذا الهدف!
ولابد أن الذين زاروا ألمانيا، خلال سنوات قريبة مضت، قد رأوا هناك بأعينهم نشاط جماعات الخضر في الشوارع، من أجل أن تسارع حكومتهم بإنجاز هذه الخطوة، ولذلك فليس معقولاً أن يكون الناس عائدين من الحج بينما نتأهب نحن لنحج!
ولا أريد أن أقول إن بيننا من لايزال يحتج، بقوة، على حكاية الضبعة، لسبب آخر قد لا يخطر لنا على بال، وهو عدم قدرتنا، بإهمالنا البادى في كل مكان، على التعامل الصحيح مع نفاياتها، فالنفايات العادية، على ناصية كل شارع، تفضحنا ولا تسترنا!
أتمنى لو جمعت الرئاسة عدداً من خبراء الطاقة الأمناء، والموثوق بهم، ليقولوا لها ثم لنا كلمة أمينة لوجه هذا البلد، في موضوع الضبعة، قبل أن تقع الفأس في الرأس وقبل أن نتورط فيما لا يجب أن نذهب إليه.. إذ لانزال فوق الشاطئ على كل حال!
وأما الشخص الذي تمنيت أن يرافق رئيس حكومتنا إلى الأقصر، فهو الدكتور إبراهيم سمك، عالم الطاقة المتجددة الشهير، والمقيم في ألمانيا منذ سنين!
لقد زار رئيس الحكومة الأقصر لهدف محدد هو افتتاح محطتين لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وقد افتتحهما بالفعل، غير أن الذين رافقوا «محلب» إلى عمق الصعيد كان عليهم أن ينتبهوا مبكراً إلى أن محطات من هذه النوعية هي أصل عمل إبراهيم سمك في ألمانيا، ومنها ذاع صيته في كل اتجاه، وقد أضاء الرجل بالطاقة الشمسية أحياء وبلديات كاملة في برلين، وفيما حولها، وكان قد زار الأقصر، ذاتها، قبل أسبوعين وقرأت له بعدها أنه حزين لأنه ليس من المقبول، في ظنه، أن تشرق الشمس على الأقصر، لساعات طويلة يومياً، بعكس ألمانيا تماماً، ثم يكون المضاء بالطاقة الشمسية في محافظة بكاملها لا يتجاوز طريق الكورنيش، ومبنى المحافظة، وفقط!
الطاقة الشمسية متجددة كما يعلم الجميع، بمعنى أنها ليست ناضبة مثل البترول أو الغاز، ثم إنها نظيفة وصديقة للبيئة للغاية وعندنا منها ما لا تملكه أوروبا بالكامل، لأن الشمس إذا أشرقت هناك ساعة، فإنها تشرق عندنا عشراً!
الشمس موجودة فوق رؤوسنا بامتداد العام، وإبراهيم سمك متاح لغيرنا، بدلاً من أن يكون متاحاً لنا، وتنقصنا الإرادة التي تأتى به ليقيم في بلده، ولينفعه بعلمه في مجال نحن أحوج دول العالم إليه فيه، وإلا، فإن كل يوم تغرب فيه شمسنا إنما هو يوم مهدرة طاقته الشمسية، على يدنا، عن عمد، ولن يعود!