سليمان جودة
فى أول هذا الأسبوع، طلب المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، من الدكتور جلال سعيد، محافظ القاهرة، أن يعود رئيس حى وسط العاصمة إلى بيته!
وكان السبب أن رئيس الوزراء اكتشف، خلال جولة مفاجئة، أن أكواماً من القمامة تحيط بالأضرحة الأثرية فى عدد من شوارع الحى، وأن النظافة العامة لا وجود لها هناك!
ورغم أن قرار «محلب» مهم، إلا أن الأهم منه هو ما قاله العميد مجدى محمد، رئيس الحى نفسه، تعليقاً على قرار إعادته إلى البيت!
العميد قال إنه، كرئيس حى، كلما رفع أكداس القمامة من أرجاء الحى ومن حول الأضرحة، عاد الأهالى وألقوا أكداساً جديدة، وكأن بين الطرفين، الأهالى ورئيس الحى، اتفاقاً غير مكتوب على أن ينظف طرفٌ منهما شوارعه، ويعيد الطرف الآخر ملء الشوارع ذاتها بكل ما يؤذى العين!
نحن، بالتالى، أمام قضية لها مستويان، أحدهما أن النظافة العامة فى العاصمة وفى غير العاصمة مسؤولية آحاد الناس، بمثل ما هى مسؤولية الحكومة مجتمعة سواء بسواء، والمستوى الثانى أن اعتدال الحكومة سوف يؤدى تلقائياً إلى اعتدال الناس من ورائها.
أما أن الموضوع مسؤولية كل واحد فينا فهذا صحيح؛ لأنك على مدى النهار، ترى بعينيك فى عرض كل شارع أن الحرص على نظافته ليس على أجندة المواطن، وأنه لا يبالى بما إذا كان شارعه نظيفاً أو غير نظيف، بل إنه، كمواطن، يقذف ببقايا الطعام وغيرها فى نهر الشارع، دون أدنى إحساس بأى شىء، ولو كان كل واحد منا حريصاً على النظافة العامة بمثل حرصه على نظافة بيته، مثلاً، لاختفت هذه المشكلة التى من المؤسف أن تكون هى التى تؤرقنا، وتشغل بالنا فى القرن الحادى والعشرين.
وأما أن الحكومة مسؤولة بقدر أكبر، فلأنها أولاً حكومة، ولأنها ثانياً معنية بحكم وجودها فى مقاعدها، ولأنها ثالثاً لا تزال تجمع من كل بنى آدم فى البلد مبلغاً شهرياً لحساب النظافة العامة، يتم تحصيله على كل فاتورة كهرباء دون أن يقال للمصريين أى شىء عن إجمالى ما يتم تحصيله لهذا الغرض، ولا أى شىء عن الطريقة التى يتم بها إنفاقه.
وما أرجوه، أن تبرئ وزارة الكهرباء نفسها، وأن تقول للمواطنين بوضوح كم تجمع بهدف النظافة العامة فى كل شهر، وأين بالضبط يذهب ما تجمعه من مبالغ، إذا كانت شوارعنا ومياديننا على هذا القدر من القذارة؟!..كم.. وأين يا دكتور شاكر؟!
فى عام 1862 جاءت بعثة يابانية عن طريق البحر، ونزلت فى السويس، ومنها إلى القاهرة، لترى كيف استطاع المصريون أن ينهضوا كما نهضوا أيامها، وكان مما لفت نظر أفراد البعثة نظافة الشوارع، ونظافة المراحيض العامة، لدرجة أنها، كبعثة، عادت لتكتب هذا، وتنبه اليابانيين إليه بقوة!
ولو عادت البعثة، اليوم، فسوف تقطع بأن الذين يعيشون فى مصر عام 2015 ليسوا أحفاداً للذين عاشوا فيها عام 1862، ولا بينهما أى صلة!