سليمان جودة
ما نعرفه أن مشروع الموازنة العامة للدولة، فى العام الحالى الجديد 2015-2016، تم رفعه من الحكومة إلى رأس الدولة، والمهم فى الموضوع أن المشروع الموجود أمام الرئيس يأخذ بما جاء فى الدستور الجديد، بكل ما يفرضه على حكومتنا، حين يكون عليها أن تضع موازنة الدولة فيما بعد إقراره كدستور.
لهذا السبب، يبدو الرأى العام فى مصر أحوج ما يكون إلى أن يخرج عليه الوزير هانى قدرى، ليتكلم إليه، ومعه، عما فى هذه الموازنة الجديدة، وعما يميزها عن موازنات سابقة، ثم عن الجديد فيها، ولم يكن موجوداً من قبل فى أى موازنة مضت!
أما الجديد الذى أقصده تحديداً، فهو تخصيص 10٪ من إجمالى الناتج المحلى للإنفاق على الصحة، والتعليم، والبحث العلمى.
إنه إنفاق عام غير مسبوق، من حيث حجمه، ولم يحدث فى أى موازنة عامة للدولة مرت بنا أن خصصت لهذه الملفات الثلاثة، نسبة إنفاق عام كهذه أبداً، بل إن هناك بيننا من رأى فيها نسبة إنفاق مبالغاً فيها، وأن الدولة حين تطبيقها سوف تكون أشبه بمن استضاف شخصاً فى بيته، وبدلاً من أن يقدم له دجاجة على الغداء، فإنه ذبح بقرة وقدمها له بكاملها!.. والمعنى أن الذين وضعوا المادة التى تنص على ذلك فى الدستور كانوا كرماء مع التعليم، ومع الصحة، ومع البحث العلمى، ربما بأكثر من اللازم!
ماذا أريد هنا من السيد هانى قدرى، وزير المالية؟!
أريد منه أن يشرح للناس معنى النص على تخصيص نسبة كهذه، من الإنفاق العام، على الميادين الثلاثة، وأريد منه أن يبين لنا ما إذا كان راضياً كل الرضا، وبصدق، عن مثل هذه النسبة، أم أنه يراها فى حاجة إلى إعادة نظر ومراجعة، وأريد منه ما هو أهم من ذلك كله، وهو أن يقول لنا، وبأمانة، ما إذا كان تخصيص هذه النسبة المحددة فى دستورنا يكفى وحده، أم أنه فى حاجة إلى خطوة أهم تتلوه، وهى أن يجرى الإنفاق على الوزارات الثلاث، وفق رؤية توضع مسبقاً، بحيث يكون الإنفاق العام فيها، وبهذا الكرم، له هدف محدد، ولا يكون إنفاقاً عاماً عشوائياً، فلا يحقق، عندئذ، الغرض من وراء إقراره والنص عليه صراحة فى الدستور!
لا يكفى بالنسبة لى كشخص أن يكون معى مال كثير، وإنما لابد أن أعرف كيف أنفقه، وأين، ولماذا؟!.. وهذا ما لا أتصور أنه، على مستوى الدولة، يمكن أن يفوت على وزير المالية، بشكل عام، ولا على هانى قدرى، بشكل خاص!
إن ذهاب ميزانية مضاعفة، فى الموازنة العامة الجديدة للدولة، إلى وزارات الصحة، والتعليم، والبحث العلمى، دون رؤية مسبقة تحدد أهداف مثل هذا الإنفاق بوضوح، سوف يجعل مادة الدستور التى تفرض إنفاقاً عاماً على الحكومة، فى هذا الاتجاه، وبهذا الحجم، مفرغة من المضمون، ونحن نريدها مادة بمضمون، ونريد من ورائها صحة بمضمون، وتعليماً بمضمون، وبحثاً علمياً بمضمون، ولهذا نريد من الوزير الهمام أن يتكلم، وأن يقول!