سليمان جودة
حين كنت رئيساً لتحرير جريدة الوفد، كتبت مقالاً فى الصفحة الأولى، أتساءل فيه عن حقيقة راتب الوزير، وكان الدكتور حازم الببلاوى وقتها وزيراً للمالية، فتلقيت منه خطاباً رسمياً نشرته فى الصفحة الأولى أيضاً، وكان الخطاب يجيب عن تساؤلى الذى كان قد بقى بلا جواب منذ 1952 إلى آخر 2011، عندما كتبت المقال!
قبلها كان الكلام عما يتقاضاه الوزير فى كل شهر متضارباً، وكان هناك كلام عن أرقام رسمية يقبضها كل وزير على الورق، وأرقام أخرى أكبر تأتيه فى مظروف من رئاسة الجمهورية!
ولكن الدكتور الببلاوى اعترف بشجاعة، لم يعرفها وزير من قبل فى هذه النقطة، بأنه - أقصد الببلاوى - ذهب فى مشوار إلى البنك الذى يتعامل معه، وكان ذلك بعد أن قضى 45 يوماً فى الوزارة، فاكتشف أن الحكومة حولت له 45 ألف جنيه فى حسابه، فقال فى خطابه إنه فهم من ذلك أن راتبه سوف يكون 30 ألفاً فى آخر كل شهر!
شىء من هذا كنت أقصده عندما كتبت أمس الأول، فى هذا المكان عن رواتب رجال البنوك، خصوصاً قياداتها، من أول رئيس مجلس إدارة أى بنك عام، ومروراً بنائبه أو نوابه، وانتهاء بالقيادات الكبيرة التالية، ولعل الذين قرأوا ما كتبت قد لاحظوا أنى قلت، فى أول سطر، إنى أريد مع غيرى أن نتحقق من الأرقام الخيالية التى تقال ويجرى تداولها فى هذا الاتجاه، دون بينة واضحة، ودون دليل قاطع.
وكنت قد قلت إن كلاماً يقال عن أن رئيس بنك حكومى يتقاضى ما يقرب من ثلاثة ملايين شهرياً، وإن نائبه يحصل على ما يتجاوز المليونين، وإن.. وإن.. ولم أكن فيما كتبته أقطع بالرقم، أولاً، ولا كان ذلك، ثانياً، دعوة إلى ضغينة ضد أى من هؤلاء، إذا ما ثبت أنه يتقاضى هذا الرقم فعلاً!
وقد قامت الدنيا ولم تقعد بمجرد أن رأت سطورى النور، فكان من المفترض أن أتلقى اتصالاً من هانى قدرى، وزير المالية، ولكنه لم يتم، رغم محاولات متكررة من مكتبه، بسبب سوء خدمة المحمول، ثم كان ملخص ما فهمته من السيد هشام رامز، محافظ البنك المركزى، مرة ومن السيد هشام عكاشة، رئيس البنك الأهلى، مرة أخرى، أن هذه أرقام لا وجود لها أبداً، وأنه إذا كان يقال عن رئيس البنك الحكومى، مثلاً، إنه يحصل على ثلاثة ملايين، فحقيقة الرقم أقل بكثير من واحد على ثمانية من هذا الرقم!.. وكذلك الأمر لباقى القيادات!
وربما تكون هذه فرصة لأن يقال هنا، وبوضوح، إن قطاع البنوك فى مصر من بين القطاعات القليلة التى ظلت قوية ومتماسكة، فيما بعد 25 يناير 2011، وإن هذا كان موضع دهشة، وربما حسد، من جانب كثيرين فى المنطقة حولنا وخارجها.
وقد تكون هذه فرصة أيضاً، لنقول إن قطاع البنوك من أكثر القطاعات حساسية فى أى دولة، بوجه عام، ثم عندنا نحن بوجه خاص، وإننا جميعاً مدعوون إلى أن نكون حريصين على سمعته، وبنيانه، وصلابته، إذا ما انتقدناه، لأنه، كقطاع، إلى جانب الجيش، والقضاء، من بين أعمدة أساسية يرتكن عليها البلد فى صموده، وهو مطمئن.
وأظن أنه إذا كان مهماً أن نعرف كم يتقاضى مسؤول بالضبط، كما حصل فى حالة الوزير الببلاوى، فالأهم منه أن يسدد المسؤول، أى مسؤول، ضرائبه عما يتقاضاه علانية، وفى النور.. فعندها، لن يكون الموضوع محلاً لأى لغط، أو جدل، أو كلام.
وكنت قد وصفت رجلاً يقوم بأعمال رئيس مجلس الإدارة، فى بنك كبير، بأنه «مسنود»، كما يشيع هو، من هشام رامز، خصوصاً أنه يتصرف فى البنك إياه دون ضابط يردعه، ففهمت من محافظ البنك المركزى، أنه لا يسنده أبداً، بل يخضعه لرقابته فى حدود ما هو متاح قانوناً أمامه.. ثم زاد رامز: أنا نفسى غير مسنود، فكيف أسند غيرى؟! قلت: يسندك عملك ولا شىء غيره!
وأتصور أن على الدولة، فى أعلى مستوياتها، أن تجد حلاً سريعاً للرجل إياه، لأن حجم المصرف الذى يجلس هو على قمته، مؤقتاً منذ فترة، لا يحتمل مثل هذا العبث الذى يمارسه!.. إذ السؤال البديهى هو: إذا لم يكن «رامز» يسنده فيما يفعله.. فمن، إذن، فى الدولة يسنده ويسانده؟!.. وعلى حساب ماذا؟!.. على حساب استقرار بنك كبير بكيانه وموظفيه؟!