سليمان جودة
تطلعت من جانبى إلى الصورة التى جمعت الرئيس مع مجلس مستشاريه من كبار علماء وخبراء البلد، ثم سألت نفسى: حين يكون لدينا كل هؤلاء، من أصحاب العقول الجبارة، مع غيرهم بالطبع ممن سأعود للحديث عنهم، ثم يكون هذا هو حالنا، فلابد أن هناك خللاً من نوع ما قد وقع.
وليس خافياً على أحد أن هذا الخلل هو أن فجوة قامت، طول الوقت، بين أصحاب العقول الكبيرة، من نوعية الرجال الذى كانوا على مائدة الرئيس، وبين صاحب القرار.
وليس للقاء الرئيس معهم من معنى، سوى أنه راغب حقاً، فى ردم هذه الفجوة، وفى أن تكون عقولنا العظيمة حاضرة إلى جواره، وأن تعطى ما عندها لبلدها، لعله يجتاز أزمته الراهنة.
وقد عدت أتطلع من جديد إلى ملامح الصورة، لأقول فى نفسى إن كل واحد من أعضاء هذا المجلس الاستشارى الجديد لابد أن عنده من الأفكار ما ينهض ببلاد بكاملها، لا ببلد واحد، ولذلك، فإذا كان تشكيل المجلس وانعقاده خبراً مهماً، وسعيداً، وباعثاً على التفاؤل، فإن الأهم أن ينعقد بشكل دورى، بحيث يجرى الاتفاق، فى كل جلسة، على موعد الجلسة اللاحقة، وأن يكون أمامه، كمجلس، مدى زمنى يضع فيه استراتيجية عامة للبلد، تمتد إلى كل مجال، خصوصاً مجال التعليم.
وقد لا أبالغ إذا قلت إن قرار تشكيل المجلس الاستشارى هو أهم قرار اتخذه عبدالفتاح السيسى منذ أن صار رئيساً، لا لشىء، إلا لأنه أصبح، الآن، على مسافة قريبة جداً من رؤية عامة وشاملة، يضعها أعضاء مجلسه الاستشارى، فيتصرف هو، كرئيس، على هداها، وتصبح بمثابة النور الذى يضىء له، ثم لنا، الطريق، وبمثابة الإشارات التى تشير إلى الاتجاهات الأربعة أمام عينيه.
وبصراحة أكثر، فإن الخطوات التى اتخذها الرئيس، منذ أن جلس على مقعده، كانت ولاتزال تفتقد «الرؤية» الجامعة، التى تضمها كلها فى إطار واحد، بحيث تكون كل خطوة مرتبطة بغيرها، ومتصلة بها، فى سياق واحد، وبحيث تكون كل الخطوات ذاهبة فى اتجاه واحد أيضاً، وعازمة على تحقيق الهدف نفسه.. ولابد أن غياب «الرؤية» الجامعة لا يعود، للأمانة، إلى نقص فى الرئيس، كشخص، بقدر ما يعود لعدم وجود مجموعة، هذا هو عملها، إلى جانبه.
ثم بصراحة أكثر وأكثر، فإنه من غير المتخيل أن يكون كل هؤلاء الرجال إلى جوار الرئيس، وأن تكون هذه العقول إلى جانبه، ثم يصدر عن الرئاسة، بعد اليوم، قرار يحار الناس فى فهمه، وفى استيعاب أبعاده، وخلفياته، ومراميه.. من غير المتخيل بكل تأكيد!
ولو كان لى أن أصور حالنا، ثم حال الرئيس قبل تشكيل هذا المجلس، وبعده، فقد كنا، قبل تشكيله، أشبه بمن يمشى فى صحراء ممتدة، دون أن تكون فى يده خريطة تحدد له أين هو، وإلى أين عليه أن يتجه، وفيما بعد تشكيل المجلس، صارت لدينا الخريطة، وأصبحت فى أيدينا بوصلة، فلا نتوجه إلى أسوان - مثلاً - ونحن فى الأصل نريد الذهاب للإسكندرية، ولا نسعى فى اتجاه الشمال - مثلاً.. مثلاً - ونحن نريد الجنوب.. وهكذا.. وهكذا.
قطع الرئيس 90 يوماً من رئاسته دون خريطة فى يده.. والآن.. صارت فى جيبه، والمهم أن يهتدى بها، طول الوقت، وأن تكون مفرودة أمام عينيه فى كل لحظة.. وعندها لن يضل.. ولن نضل معه.
هذا ما يمكن أن يقال عن مجلس الرئيس الاستشارى بوجه عام.. فإذا ما تأملنا تفاصيل الصورة التى جمعت أعضاء المجلس مع رئيس الدولة، كنا فى حاجة، بالضرورة، إلى كلام آخر يتجاوز الصورة إلى مضمونها، وما وراء مضمونها ذاته.