سليمان جودة
قالت «الأهرام» فى صفحتها الأولى، صباح أمس، إن الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بكى وإن دموعه قد سالت على خديه للمرة الأولى، وإنه قد أخفاها بنظارته السوداء، وحاول أن يبدو متماسكاً، عند دخوله على كرسى متحرك إلى قاعة المحكمة!
ولا تعرف بالطبع ما الذى أبكى مبارك للمرة الأولى هكذا؟!.. هل أبكاه - مثلاً - أنه دخل قاعة المحكمة بالبدلة الزرقاء، بعد أن قضت المحكمة بحبسه، مع نجليه علاء وجمال، ثلاث سنوات، فى قضية القصور الرئاسية؟!.. أم أبكاه أنه عاد إلى المحكمة، لتتم محاكمته، من جديد، فى القضية التى اشتهرت بـ«محاكمة القرن»؟!.. أم أنه بكى، لأنه يعرف فى يقين نفسه، وفى أعماقه، أنه مظلوم، وأن كثيرين يعرفون أنه مظلوم، ومع ذلك، فإنهم يتعمدون بهدلته، وربما إهانته؟!
لست أعرف السبب الذى أبكاه، ولا أعرف ما إذا كان واحد من هذه الأسباب الثلاثة، أم أنها معاً، هى السبب، ولكن ما أعرفه أن الرئيس السابق محمد مرسى إذا كان قد عفا عن إرهابيين، وتجار مخدرات، ومرتشين، ومجرمين، وإذا كنا قد تداركنا الأمر، بعد 30 يونيو، وألغينا تلك القرارات الكارثة، التى عفت عمَنْ لا يجوز العفو عنهم، فإن الأَوْلى بالعفو، الآن، هو رجل مثل مبارك!
ولو أن أحداً سألنى عن مبررات عفو من هذا النوع، فسوف أقول، إن له مبرراً واحداً قوياً، هو أن الرجل كان بطلاً فى حرب أكتوبر، وهى مسألة لم ينكرها أعدى أعدائه، ولذلك، فأنت عند المقارنة بين «مبارك» و«مرسى»، على سبيل المثال، أمام رجل حارب فى أكتوبر، من أجل كل حبة رمل على أرض بلده، وكان يعرف أنه من الممكن أن يطير فى إحدى طلعاته الجوية أيامها، فلا يعود، وكان يدفع هذا الثمن، مقدماً، عن رضا، ثم أنت، فى الوقت نفسه، أمام رجل فى حالة «مرسى» كان يبيع الأرض، ويتخلى عنها، ويتنازل، دون أن يرمش له جفن!
مبارك أخطأ دون شك خلال السنوات التى حكم فيها، وكان أكبر خطأ له، فى ظنى، أنه أهمل التعليم طوال 30 سنة، ولو اهتم به، لكان حالنا الآن، غير الحال تماماً، ولكان حاله أيضاً غير الحال، ولكنه، فى المقابل، حارب من أجل وطنه، وكان بطلاً فى حربه، ولو لم يكن كذلك، ما اختاره السادات نائباً له، على مدى ست سنوات.
هو، إذن، عمل، فأخطأ وأصاب، وترك من ورائه أشياء جيدة، وأشياء سيئة، ولذلك، فإن العفو عنه، لبطولته فى أكتوبر، مطلوب، اللهم إلا إذا كانت هناك أشياء مالية فى حقه، فهذا لا أدافع عنه، ولا يعنينى، كما أن المحكمة، ومن ورائها لجان مختصة، هى وحدها التى تقطع فى أمر كهذا، وليس الكلام المرسل.
أتكلم عن رجل خدم بلده، وعن رجل أخطأ فى العمل العام بحسن نية فى تقديرى، وعن رجل لم يثبت فى حقه، فى أى لحظة، أنه خان الوطن.
العفو مطلوب، ليس عنه وحده بالمناسبة، وإنما أيضاً عن رجال خدموا معه، فى آخر أيامه، ووصلوا بالاقتصاد إلى معدل نمو وقتها إلى 7٪، وهو ما نسعى لأن نصل إلى نصفه، منذ ما بعد 25 يناير، دون جدوى!
هؤلاء.. من رشيد محمد رشيد، إلى محمود محيى الدين، إلى يوسف بطرس نفسه، وغيرهم من المشردين فى العالم، إذا لم يكونوا مدانين فى جرائم تمس الذمة المالية، فإنهم أولى بالعفو قطعاً، من الإرهابيين والمجرمين.
العفو عنهم مطلوب، مع شرح أبعاده جيداً للناس، حتى يقتنعوا بأنه عفو فى مكانه، وأن الذين أصابهم يستحقونه، ثم لسبب آخر أهم، هو ألا يكون السجن هو آخر طريق خدمة البلد!
"المصري اليوم"