سليمان جودة
هل كتب الله على المصرى أن يظل يقارن بين كل عاصمة يذهب إليها وبين القاهرة، وأن تأتى المقارنة، فى أغلب المرات، إن لم تكن فى كلها، لغير صالحنا؟!.. نريد، ولو مرة لوجه الله، أن نذهب إلى هذه العاصمة العربية، أو تلك، فنكتشف أن حال قاهرتنا صار أفضل، وأنها أجمل، وأهدأ!
وربما لاحظت أنت أن سقف طموحنا فى المقارنة قد تراجع، وأننا لم نعد نريد أن نقارن بين القاهرة وبين باريس مثلاً... لا... إننا نتكلم عن عواصم عربية مجاورة لنا، أو قريبة منا، رغم أن الذين ذهبوا إلى العاصمة الفرنسية، على سبيل المثال، يعرفون أن الذين صمموا منطقة وسط البلد بكاملها فى عاصمتنا زمان كانوا متأثرين جداً بباريس، وأن قليلا من الاهتمام بهذه المنطقة، وقليلا من الرغبة فى إزالة تراب الإهمال عنها، يجعلها هى ومناطق بديعة فى باريس سواء.. طاف هذا كله فى ذهنى حين كنت فى الرباط هذا الأسبوع.. فالأشقاء فى المغرب أدركوا، مبكراً، ما تدركه أى حكومات عاقلة، وهو أن العواصم تنشأ لا ليتكدس فيها البشر.. بعضهم فوق بعض، كما هو الحال عندنا، وإنما لتكون مرآة للبلد، يدخلها الأجنبى، فيشعر على الفور بأنه فى مدينة تجذبه، ولا تطرده!
تسأل عن سر لهذا الهدوء فى العاصمة المغربية، وعما وراء هذا الجمال الذى يميز غالبية أحيائها، فتعرف أن المرافق الكبيرة موزعة بينها وبين سائر مدن الدولة المغربية، وأن المطار الأهم، مثلاً، موجود فى الدار البيضاء، وليس فى الرباط.. صحيح أن هذه الأخيرة تضم مطاراً، ولكن غالبية المسافرين إلى المغرب، يدخلونها من بوابة مطار الدار البيضاء، وليس من بوابة العاصمة، وهو الأمر الذى رفع أعباء كبيرة عن عاصمتهم، وجعلها فى صورتها العامة تليق بعاصمة فعلاً، ولم يجعل المواطنين يتكالبون على الإقامة فيها، لأنهم يكتشفون، وهذا سبب آخر مهم، أن المرافق العامة الموجودة فى أى مدينة بخلاف الرباط، متاحة عندهم بالجودة نفسها المتاحة بها فى العاصمة.. فلماذا يذهبون إليها، ولماذا يتزاحمون فيها، إذا كانت كل أسباب الحياة متاحة لهم فى أماكنهم، وحيث كانوا؟!
وسوف يدهشك أن تعرف أن الصحف المغربية كلها موجودة فى الدار البيضاء. وليس فى العاصمة، وهو شىء لابد أنه يخلف انطباعاً لدى كل مواطن بأن الله الذى خلق العاصمة لهم، قد خلق غيرها من المدن، وأنه كمواطن ليس مضطرا للذهاب إلى العاصمة، ليقضى أى مصلحة من أى نوع، لأنه يستطيع أن يقضيها حيث هو، وبالسهولة نفسها التى يجدها المقيمون فى الرباط.
على أطرافها، تقع مساحة هائلة من الحدائق العامة والغابات، وهى منطقة معروفة هناك، وتمتد لآلاف الأفدنة، ولم أستطع أن أمنع نفسى من المقارنة بينها وبين مطار إمبابة الواقع بدوره على أطراف قاهرتنا، والذى يمثل مساحة كبيرة يتيمة، كنا، ولانزال نتمنى أن نجده كله، لا بعضه، حديقة عامة مفتوحة يلوذ بها الذين يضيقون بغبار القاهرة، وترابها وزحامها، وتلوثها ودخانها إلى أن ينصلح حالها.
سألت نفسى: هل يستكثر القائمون على الأمر فى بلدنا مساحة 215 فدانا، التى يمتد عليها مطار إمبابة القديم، على أهل القاهرة والجيزة معا؟!.. وهل كانت الحكاية فى حاجة إلى كل هذا الجهد منا فى الإعلام لتخلو المساحة كلها وتظل أرضا ممتدة ومزروعة بالشجر.. وفقط؟!.. ولماذا لم يفكر القائمون على الأمر فى المغرب فى طرح شبر واحد من مساحاتهم الهائلة، أمام المستثمرين، كما فكر مسؤولون وأصروا منذ أول لحظة خلت فيها أرض المطار.. متى يا رب يدرك مسؤولونا، بعد ثورتين، أن البشر والشجر يتقدمان دائماً على الحجر؟!