سليمان جودة
حين كان الرئيس لايزال مرشحاً رئاسياً، سألوه فى لقاء تليفزيونى عن حجم نصيب العسكريين، فى أول حركة محافظين سوف تجرى على يديه، عندما يفوز، فقال بأن نصيبهم لن يختلف، من حيث حجمه، عما كان عليه من قبل!
وقد تمنيت وقتها، لو أن الإجابة قد جاءت مختلفة كلياً، وتمنيت لو أن الرئيس قال فى حينها، إن المسألة بالنسبة لنا، لا يجوز أن تكون فى اسم الجهة التى سوف يأتى منها أى محافظ جديد، سواء جاء من بين ضباط الجيش، أو من بين ضباط الشرطة، أو من بين القضاة، أو من بين أساتذة الجامعات.. وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر هذه التقسيمة التى دامت حتى ملها الناس، وأصبحوا يجدونها بلا معنى!
تمنيت وقتها، وقلت وقتها أيضاً وكتبت، إنه إذا كان مهماً، أن نعرف، من أى جهة بالضبط سوف يأتى كل محافظ جديد، فالأهم من ذلك كله، أن نعرف ما الذى بالضبط جاء ليحققه فى مكانه، وما الذى سوف يكون عليه أن يتركه فى هذا المكان، حين يغادره!
ذلك أنى أظن، أنه ليست هناك مشكلة لدى أحد منا، أن يأتى المحافظون الجدد كلهم، من جهة واحدة، أياً كان اسمها، بشرط أن يكون كل واحد فيهم، على وعى كامل، بالهدف الذى جاء من أجله إلى منصبه، وبشرط أن تكون الدولة، وهى تأتى به، إنما تفعل ذلك ضمن ما صار معروفاً فى العالم بأنه «الإدارة بالأهداف».. أى أن فلاناً جاء محافظاً، لأنه، أولاً، أصلح الناس للجلوس فى المحافظة التى ذهب إليها، ولأنه، ثانياً، قد جاء، وبين يديه أهداف معينة، حددتها الدولة مسبقاً، مع نفسها، ثم معه، ليترجمها هو إلى واقع حى يراه الناس، وفى مدى زمنى محدد.
ربما يذكر بعضنا، الآن، تلك الحركة الشهيرة التى جرت بين المحافظين، آخر أيام الرئيس السادات، وهى حركة حظيت أيامها، بصخب إعلامى واسع، لأن الرئيس الراحل أعلن قبلها، أنه سوف يمنح كل محافظ فيها، سلطات رئيس الجمهورية فى محافظته، وسوف ينتظر منه بعدها نتائج عملية فى المقابل، وقد عشنا بعدها لنرى أثراً مما انتظره السادات، وانتظرناه معه، فلم نجد، بما يعنى أن خللاً ما، فى العملية كلها، قد أعاقها عن تحقيق أهدافها، وأصبح المحافظون الناجحون فى أماكنهم، يمكن إحصاؤهم على أصابع اليد الواحدة.. نعم اليد الواحدة.. رغم أن عندنا 27 محافظاً!
وإذا كانت حركة المحافظين، التى وصفوها بأنها حركة كبيرة، سوف تصدر خلال أيام، وربما خلال ساعات، فهى متأخرة فى ظنى، ستة أشهر كاملة، لأننا كنا نتخيل أن الرئيس سوف يدخل مكتبه يوم 9 يونيو الماضى، وفى جيبه 27 اسماً لـ27 محافظة، بحيث يصدر بهم قرار منه، يوم 10 يونيو، أى فى اليوم التالى مباشرة، لوجوده فى موقع المسؤولية، فلا وقت عندنا نضيعه، وقد كان الرئيس هو أول من قال بهذا، وأكده مراراً، فى أكثر من مناسبة.
كنا نتخيل هذا، ويكاد يراه كل واحد فينا، أمام عينيه، كما يرى كف يده، غير أنه لم يحدث، بكل أسف، وصارت الأشهر الستة الماضية، أياماً وأسابيع ضائعة، فى حياة أغلب محافظاتنا، وفى حياة أبنائها الذين هم بعشرات الملايين، والمهم الآن، ألا يضيع ما هو آت، بمثل ما ضاع ما فات!
ذات مرة، سألوا البابا شنودة الثالث، عن علاقته بأحد محافظى قنا، وكان قبطياً، فقال البابا الراحل، بالحس الفكاهى الذى كان من بين سماته، إن المحافظ إياه «محافظ» على البُعد عنه!.. ولو طلب الرئيس تقريراً أمنياً عن المحافظين الحاليين، فسوف يكتشف أن الغالبية بينهم، عاشت تحافظ على البُعد عن الناس، حتى ساءت الأحوال هناك، بأكثر مما نتصور، ويتصور الرئيس!