بقلم سليمان جودة
أريد، ولو مرة واحدة، أن أقارن بين بلدنا، وبين أى بلد أزوره، فتكون المقارنة لصالحنا.. مرة واحدة لوجه الله!
مثلاً.. قرأت، على لسان رئيس الوزراء، أن حجم الموازنة للعام المالى 2015-2016، 864 مليار جنيه، وأن 700 مليار منها سوف تذهب إلى الوفاء بفوائد الديون، ومن ورائها الدعم، ثم إلى الأجور لستة ملايين موظف لا تحتاجهم الدولة، وأن الـ164 ملياراً الباقية هى فقط التى سوف تنفقها الحكومة على الخدمات العامة لـ90 مليون مواطن!
قارنت، من ناحيتى، بين هذا الكلام الخطر لرئيس الحكومة، وبين ما سمعته ورأيته بعينى فى بولندا، وهى دولة قلت وأقول إنها مرت، ولاتزال تمر، بظروف كثيرة تشبه ظروفنا العامة، فاكتشفت أننا فى النازل، وأنهم فى الطالع!
المزعج فى الموضوع كله أننا نعرف أننا فى النازل، ثم نستمر فى سياسات تؤدى إلى مواصلة النزول، دون أن نفعل شيئاً يغير من اتجاهنا بين الأمم فنطلع لأعلى، بدلاً من هذا الهبوط المتوالى!
لا أريد أبداً أن أكون متشائماً، ولا أريد أن أقلل من حجم أعمال وإنجازات تتم فعلاً، ولكن المشكلة أنها أعمال وإنجازات أقل مما هو مطلوب بكثير، ثم المشكلة الأكبر أنها أعمال وإنجازات متناثرة.. واحد هنا.. وآخر هناك.. دون أن تجمعها معاً رؤية واحدة، تؤسس لإنجاز عام على مستوى دولة بكاملها!
حين سألت الذين يعنيهم الأمر، فى بولندا، وعلى مستويات مختلفة، عن الدعم، وعن الأجور وعن فوائد الديون، التى تستهلك، باعتراف رئيس الحكومة، ثلاثة أرباع الموازنة العامة للدولة، نظروا نحوى على أنى بنى آدم قادم من كوكب آخر، ثم على أن الدولة التى أنتمى إليها، وأحمل جنسيتها، ليست معنا على كوكب الأرض، وتصمم على ألا تكون معنا.. أى مع العالم المتطور الذى يعيش عصرنا!
كيف؟!.. فى دستورهم البولندى وضعوا نصاً صريحاً لا هزار فيه، بأن عجز الموازنة لا يجوز أن يزيد على 3٪ تحت أى ظرف، وهى نسبة تظل أمام عين رئيس كل حكومة يأتى، فلا يتجاوزها أبداً!
النسبة عندنا فوق الـ10٪، وتصل أحياناً لـ12٪، وسببها معروف، وهو أن مصروفاتك، كحكومة، أعلى من مواردك بكثير جداً، ومع ذلك، لا يجد رئيس حكومتنا حرجاً فى أن يقول، علناً، إن 700 مليار جنيه من موازنة الدولة ذاهبة لكذا.. وكذا.. وهو أول من يعرف أن كذا.. وكذا هنا يعنى إهدار هذا المبلغ إهداراً، ويعنى إلقاءه فى بئر بلا قاع، ليتبقى 164 ملياراً تجعل الخدمات العامة التى تقدمها الحكومة لمواطنيها عند مستوى الزيرو.. وإذا كنت تجد أنى أبالغ، فاخطف رجلك من فضلك لأقرب مستشفى عام لترى، ثم لأقرب مدرسة حكومية لترى بعينيك.. فلماذا يارب نجد متعة هكذا فى الضحك على أنفسنا؟!