سليمان جودة
قبل أيام، كنت فى مدينة الصف التى تبعد عن القاهرة 80 كيلومتراً فى اتجاه الجنوب، وهناك رأيت وحدة من وحدات المرور تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية، وإلى جوارها كانت أعمدة الإنارة تعمل بالطاقة نفسها، وتستغنى بالكامل أيضاً عن طاقة الكهرباء!
تذكرتُ ما رأيته عندما كنت أستعرض أسماء أعضاء المجلس الاستشارى للرئيس، الذى يضم 10 من كبار علماء البلد، اسماً اسماً.
ولعلنا ننتبه هنا إلى أن وجود أكثر من مجلس من هذا النوع، إلى جانب الرئيس، له مهمة كبيرة أخرى، بخلاف مهمته المباشرة فى تقديم الاستشارة للرجل، وهذه المهمة الكبيرة الأخرى هى أن مجالس من هذه النوعية تظل عيناً لرأس الدولة، على أداء الجهاز التنفيذى بوجه عام، لتصحيح الأداء المنحرف منه، أولاً بأول.
إنها مهمة، كما ترى، ضرورية للغاية، فإذا ما تنبهنا إلى أن البرلمان لم يتشكل بعد، وأن مهمة كهذه لا يؤديها فى العادة سوى البرلمان الجيد حين يكون منعقداً، تبين لنا أنه ليس أحوج من الرئيس الآن إلى أكثر من مجلس استشارى حوله، بشرط أن تضم المخلصين للوطن، لا المنافقين لرئيس الدولة على حساب الوطن!
أعود إلى المجلس الوحيد الذى تشكل حتى الآن، لأقول إن من بين أعضائه عضوين أتوقف عندهما، هما المهندس إبراهيم سمك، والمهندس هانى النقراشى.. إنهما متخصصان فى طاقة الشمس، وعليهما أن يضعا، من خلال وجودهما قرب الرئيس، فى المجلس، خطة عملية تتحول بها التجربة المتواضعة التى رأيتها فى الصف، إلى تجربة متكاملة يربطها رابط بامتداد البلد كله، بدلاً من أن تظل تجارب مبعثرة هكذا.. واحدة هنا.. وواحدة هناك!
اختيار هذين الرجلين، على وجه التحديد، فى مجلس استشارى من كبار علمائنا، لابد أن وراءه هدفاً من نوع ما أتكلم عنه، غير أننا لم نسمع عنه، إلى هذه اللحظة، ونريد أن نسمع أنهما معاً قد تلقيا تكليفاً رئاسياً يضمن أن ينتفع وطنهما بتجربتهما فى طاقة الشمس، التى يسمع بها العالم فى أنحائه، ولا نرى لها أثراً على الأرض التى أنجبتهما!
وما ينطبق على النقراشى وسمك لابد أنه ينطبق على باقى أعضاء هذا المجلس الأول، وعلى ما سوف يتلوه من مجالس من نوعه، لأنها لا يجوز أن تكون للوجاهة ولا أن تنعقد ثم تنفض ليُقال إن عندنا مجالس استشارية وفقط، وأنها تجتمع مع الرئيس، فالهدف منها ليس التشكيل، ولا الاجتماع، ولا الانعقاد، لأن هذا كله إنما هو سبيل إلى تحقيق هدف أبعد.
لا نريد مجالس حول الرئيس، من نوع المجلس الذى كان الرئيس السادات قد شكله، ذات يوم، واجتمع به لأول مرة فى القناطر الخيرية، فإذا بواحد من أعضائه يقول للسادات: أنت حاكم الأمة ومستشارها، فكيف يكون لك هذا العدد من المستشارين؟!.. يروى الدكتور الجنزورى فى مذكراته القصة كاملة، وكيف أن السادات يئس من المجلس، منذ المرة الأولى، وأصابه القرف بسبب هذا النفاق الرخيص من واحد من الأعضاء، وطلب من سيد مرعى أن يجتمع به هو، فى القاهرة، فى المرة القادمة، ولم يجتمع بعد ذلك أبداً!!
هذه قصة وقعت، ولا نريد أن تتكرر مع السيسى أبداً، ولكننا نريد مجالس تصارح الرئيس، ولا تنافقه، وتحقق بوجودها شيئاً للناس على الأرض.