سليمان جودة
على فنجان قهوة، دعانى صديق خليجى قرر أن يقضى رأس السنة فى مصر، وأحسست منذ الوهلة الأولى بأنه دعانى، ليس لنتكلم فى مختلف الأمور العامة، كعادته، كلما جاء إلى القاهرة، وإنما ليسألنى عن أمر محدد يخص كلام الرئيس فى خطابه فى ذكرى المولد النبوى، وكيف أنه مستعد للذهاب عن السلطة، إذا ما أجمع المصريون على ذهابه!
أحسست بأن صديقى الخليجى المحب بصدق لبلدنا شديد القلق من كلام الرئيس فى هذه النقطة تحديداً، ثم سألنى سؤالاً مباغتاً: هل يعرف الرئيس وطأة ما قال به، على كل مواطن فى الخليج، يدرك أن صمود بلاده، فى مواجهة استهداف دول المنطقة، يستند فى الأساس على صمود مصر بقيادة السيسى؟!
قلت: من ناحيتى أسترجع دائماً وقفة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، معنا، فيما بعد 30 يونيو 2013، فلقد كانت وقفة غير مسبوقة حقاً، وكان الملك عبدالله يعرف تماماً ماذا يفعل، وكان ببصيرة نافذة عنده يرى أن بقاء مصر متماسكة، وقوية، وقادرة، هو بقاء لشقيقاتها فى الخليج، على الحالة نفسها، وأن العكس صحيح!.. وليس معنى هذا بالطبع أن الرياض لا تساند القاهرة، فيما بعد الملك عبدالله، فلقد رأينا حزمة المساعدات التى تقررت منها مؤخراً، غير أننى فقط أريد أن أنعش ذاكرة الناس، لئلا ينسوا وقفة الملك عبدالله الشجاعة، ولأن وقفته كانت وقفة رجل يرى الأخطار على بلاده، وهى فى مكمنها البعيد.. وكانت وقفة رجل يرى أيضاً أن القاهرة هى حائط الصد الصلب عن المنطقة كلها، بوجه عام، وعن دول الخليج بشكل خاص، وأن مواجهة هذه الأخطار، بكل دعم ممكن منه، ومن غيره، يهون أمامها أى شىء آخر.. وكيف لا، وهى أخطار تستهدف دولاً لا أشخاصاً.
عاد صديقى الخليجى يقول إن كل ما يريده فى هذه اللحظة أن يكون الرئيس السيسى على ثقة من أن الغالبية الكبيرة من المواطنين فى الخليج يقدرون له تماماً موقفه معهم، وتأكيده دائماً أن أمن الخليج بالنسبة لمصر خط أحمر، وأنه لا يساوم على أمن الخليج أبداً، وأن الحكاية بالنسبة له هى «مسافة السكة» كما قال ويقول باستمرار.
قلت: ما أعرفه، أن الرئيس وهو يبدى زهده فى السلطة كان يخاطب المصريين فى الأساس، لأنه لم يحدث أن سعى هو إليها، وإنما هم الذين طالبوه، وضغطوا عليه، ليقبل بها.. أما إذا كان الموضوع قد وصلكم أنتم فى الخليج على هذا النحو، فلابد أن الإخوة عندكم، على مستوى الشارع، يستشعرون حساسية الموقف المصرى، ومن ورائه العربى، فى هذه اللحظة الراهنة، ولابد، بالتالى، أن ينتقل هذا الاستشعار من مستوى الشارع إلى مستوى الحكومات الخليجية، لتواصل دعم مصر بكل قوة، إدراكاً منها أنه دعم يصد خطراً عاماً عن منطقة الخليج بكاملها، وليس على مصر وحدها.
قاطعنى صديقى وكأنه يريد أن يحمِّلنى رسالة، فقال إن كل ما يريده منى أن أنقل عنه للرئيس أنه كمواطن خليجى يقف معه بكل كيانه، وأنه يدعو حكومة بلده، وأخواتها فى الخليج، إلى أن تكون مع السيسى بالكيفية نفسها، وبكل بأس، وبلا سقف، وبلا تردد!
قلت فى ختام اللقاء، الذى كان النيل شاهداً عليه فى أحد الفنادق الفخمة المطلة عليه: سوف أنقل هذا عنك، علانية، ليصل الرئيس، وغير الرئيس!