سليمان جودة
ليس أقوى من الضربة التى أصابت القنصلية الإيطالية فى القاهرة، صباح أمس الأول، إلا رد الفعل الإيطالى الفورى عليها.. لقد تصور الذين نفذوا العملية، أو الذين خططوا لها، أو مولوها، أو دعموها، أن إيطاليا سوف تسارع وتطلب من رعاياها مغادرة بلدنا، أو حتى تطلب منهم أن يتوخوا الحذر، فى أقل تقدير، ثم تصوروا أيضاً، أن رئيس الحكومة الإيطالية سوف يطلب تفسيراً من نظيره المصرى، لما جرى، أو.. أو.. إلى آخر ما يمكن أن يكون أهل الإرهاب، والذين يقفون وراءهم، قد تصوروه، أو راهنوا عليه!
شىء من هذا، لم يحدث.. بل حدث العكس منه تماماً.. عندما تلقى الرئيس السيسى اتصالاً بعد الحادث بساعة، من رئيس حكومة إيطاليا، يؤكد فيه على أشياء لابد أنها كانت موجعة للإرهاب، ولأهل الإرهاب، وللذين يقفون وراء أهل الإرهاب.
كان رئيس الوزراء الإيطالى، فى اتصاله مع الرئيس، حريصاً على أن يبعث برسالتين، إحداهما لمصر، وهى أن إيطاليا تدعمها بكل قوة فى حربها مع الإرهاب، والثانية لأهل الإرهاب وداعميهم، وهى أن ما جرى لن يخيف الإيطاليين، ولن يزحزحهم درجة واحدة عن تضامنهم الكامل مع المصريين وهم يخوضون هذه الحرب.
ولابد أنه شىء يصب فى صالح حكومتنا، أن تعلن بعدها بساعات، أن كل شىء فى المبنى الذى تعرض للإرهاب، سوف يعود سريعاً إلى ما كان عليه قبل الانفجار، وأن ذلك سوف يكون على حساب الحكومة المصرية كاملاً.
إن كل شخص مرّ يوماً من جانب مبنى القنصلية يعرف أنه مبنى بديع المنظر، رغم وجوده فى مكان مزدحم بطبيعته، بما جعل أتربة الزحام تغطى على جماله، ورغم أن وجوده فى مثل هذا المكان يجعل كثيرين يمرون عليه دون أن يلتفتوا بالضرورة إلى بهاء الفن الواضح فى تصميماته الفنية، بنوافذه الطويلة المستطيلة وشرفاته الدائرية الرائعة!
ولابد أيضاً أن الذين زاروا العاصمة الإيطالية روما، قد رأوا بأعينهم، فى كل ركن هناك، وفى كل ميدان، وفى كل شارع، كيف أن الفن الرفيع من حيث شيوعه عندهم يبدو وكأنه هواء يتنفسه كل إيطالى فى كل لحظة.. فالإيطاليون أهل فن أصيل، صناعة، وإبداعاً، وتذوقاً.
وربما لهذا السبب قام مبنى القنصلية فى مكانه، بهذا التصميم اللافت لكل عين تعرف معنى الفن، وتقدره، وتتذوقه.
وإذا كان هناك شىء يبقى على حكومتنا، فإننى أنقل إليها اقتراحاً من المستشار عدلى حسين بأن تطلب من الجانب الإيطالى أن يأتى خبراء فن وآثار إيطاليون، ليشرفوا هم فنياً على عملية إعادة المبنى إلى ما كان عليه، وفق التصميمات القديمة الموجودة قطعاً فى مبنى السفارة.
إن رد الفعل الإيطالى على العملية يقول بأن البلدين شريكان قويان فى الحرب على الإرهاب، وسوف تكون خطوة كهذه، من جانب حكومة المهندس محلب، إضافة مقدرة من الإيطاليين، بقدر ما كانت الخطوة السابقة، بالإعلان عن أننا سوف نتحمل تكلفة إعادة البناء، موضع تقدير أكيد!