سليمان جودة
فى المركز العلمى الذى أنشأته مؤسسة التقدم العلمى فى الكويت عام 2000، شاهدت فيلماً بالأبعاد الثلاثية عن مملكة الحيوان فى كينيا!
الفيلم مدته 45 دقيقة، ويعرضه المركز ضمن خمسة أفلام علمية أخرى، وتحظى كلها بإقبال كبير من طلبة الجامعات والمدارس، ثم من الجمهور بوجه عام، لأنها مثيرة، ومفيدة معاً!
وقد كنت طوال الفيلم أركز النظر على حيوانين اثنين لا ثالث لهما: الأسد.. والغزالة.. ولأسباب سوف أذكرها حالاً!
وقد رأيت تشابهاً من نوع ما بين الزرافة برقبتها الطويلة جداً وطائر الفلامنكو، طويل الرقبة والساقين أيضاً، وتكاد رقبته الرقيقة تصل إلى طول مثيلتها عند الزرافة، لولا أن جسده صغير دقيق، ولولا أن هناك بالطبع نوعاً من النسبة والتناسب بين طول الرقبة عنده وبين حجم جسمه كله بالإجمال!
وحين انقض الأسد على إحدى فرائسه فى الفيلم، فى فضاء صحراء كينيا الواسعة، فالواضح أن التهام الفريسة قد راح يمر على ثلاث مراحل، أما الأولى فهى التى يعكف فيها الأسد عليها وحده، حتى يمتلئ بطنه، فلا يشاركه فيها أحد، فإذا امتلأ انصرف، لتأتى الضباع من بعده، فى مجموعات، وتستكمل نهشاً، وفى استعجال، ما كان قد بدأه الأسد فى هدوء، ودون إزعاج من أحد من حيوانات الغابة التى تظل تتحلق من حوله، فى شبه دائرة، وتظل ترقبه وهو يتناول وجبته فى متعة، ثم تظل تنتظر دورها، وتترقبه، وتمنى نفسها بوجبة شهية!.. وإذا انصرفت الضباع جاءت النسور فلا تترك شيئاً بمناقيرها الحادة، فى جسد الفريسة الممدد أمامها فى استسلام، سوى العظم والضلوع يعبث بها الهواء!
أما لماذا بدأت هذه السطور بالأسد، ومعه الغزالة، فلأن علماء الحيوانات كانوا قد لاحظوا أن متوسط سرعة الأسد 58 كيلومتراً فى الساعة، وأن متوسط سرعة الغزالة 90 كيلومتراً، ومع ذلك فإنه إذا طاردها يلحق بها سريعاً، وتصبح أشهى وجباته!
التفسير أن الغزال يتلفت وراءه كثيراً، وهو يجرى، ولأنه يفعل ذلك مراراً، فإن تكرار الأمر يعطله، ويعطى الأسد الفرصة لأن يلحق به ويدركه بسهولة، ثم يلتهمه فى سهولة أشد!
نحن، فى مملكة الإنسان، ثم فى مصر بوجه خاص، نتلفت وراءنا كثيراً، وبمعنى أدق ننشغل بماضينا، الذى صار وراءنا، بأكثر مما ننظر أمامنا، وننشغل بمستقبلنا، فيضيع أغلب وقتنا فى الانشغال بأشياء فى الماضى، لا قيمة لها، ونعطى أعداءنا الفرصة نفسها التى يعطيها الغزال للأسد عندما يتلفت وراءه كثيراً!
لا يجوز أن ننشغل بما مضى، إلا بقدر ما يضيف لحاضرنا، ومعه مستقبلنا.. وماعدا ذلك تضييع وقت!
نقلاً عن "المصري اليوم"