بقلم سليمان جودة
أرجو أن ندقق جيداً فى طبيعة الاتفاقيات التى جرى توقيعها بيننا وبين السعودية، فى أثناء زيارة الملك سلمان، لنكتشف عندها أن المملكة تأتى هذه المرة لتساعدنا اقتصادياً بشكل مختلف تماماً عما كان يجرى من قبل!
ففى مرات سابقة، بل فيها كلها، كان الحديث يدور فى الغالب عن منحة هنا، أو عن هبة هناك، سواء كان ذلك قبل 30 يونيو أو بعدها.
أما اليوم، فالكلام فى الاتفاقيات السبع عشرة يخلو تماماً من حديث المنح، ومن حديث الهبات، ويركز فى كل أحواله على الاستثمار الذى يتميز بأنه ذو عائد مباشر على صاحبه!
صحيح أن الاستثمار من هذا النوع سوف يتيح فرص عمل كثيرة عندنا، وسوف يدفع أصحابه ضرائب لخزانتنا العامة عن كل دولار يدخل جيوبهم ربحاً، ولكنه، فى جانب آخر، سوف يكون له عائد على المستثمر السعودى، وهو عائد تنتظره السعودية فى أيامها القادمة، وتخطط له منذ فترة، وتعرف فيما يبدو كيف تذهب إليه من أقصر طريق، ولا تعرف العشوائية فى التفكير، ولا فى العمل، وهى تترقب عوائده!
إن الأمير محمد بن سلمان، الرجل الثالث فى المملكة، والذى يشغل موقع ولى ولى العهد، موجود فى الوفد الملكى الزائر، وهو ينشط منذ فترة فى الترويج لهذا النوع تحديداً من الاستثمار، وأى مراجعة سريعة لأحاديثه القريبة مع الصحافة، والبعيدة، سوف توضح هذا بسهولة!
إنه هو من قال، قبل الزيارة بأيام قليلة، إن بلاده تستهدف عائداً غير نفطى، يصل إلى 100 مليار دولار سنوياً، خلال عشرين عاماً من هذا العام.. وهو من قال، فى الحديث ذاته، إن النفط فى السعودية سوف لا يمثل خلال الأمد الزمنى نفسه مصدر الدخل الأساسى فى الرياض.. ثم هو من راح، فى حديث سابق، يعدد صور الاستثمار التى سوف تأتى منها المائة مليار دولار، وكان من بينها، بالمناسبة، جزر بلده فى البحر الأحمر، عند استغلالها الاستغلال الأمثل، وتوظيفها، كمصدر دخل، على ما يجب أن تكون عليه.. وهو من أعلن كذلك أنهم هناك بصدد إنشاء صندوق سيادى يضم فى داخله 2 تريليون دولار، يعنى 2000 مليار دولار، ليكون أكبر صندوق من نوعه فى العالم.. وهو.. وهو.. إلى آخر ما سوف يتبين لك، إذا كنت تتابع ما يقوله، وترصد ما يصدر عنه، ثم تضعه فى سياقه الصحيح.
تقديرى، أنه إذا كان هناك مهندس لهذه الزيارة، فهو محمد بن سلمان، وإذا كانت هناك فلسفة اقتصادية وراءها، فهو واضعها، وإذا كانت هناك رؤية وراءها ووراء غيرها من نوعها، فهو صاحبها، وإذا كان لنا أن نخرج بدرس من الموضوع كله، فهو أن السعودية تساعدنا بكرم هذه المرة.. هذا صحيح.. ولكن الأصح منه أنها ترغب فى أن تأخذ فى الوقت ذاته الذى تعطى فيه، وهذا حقها الذى لا يمكن أن يكون موضع نقاش، ثم إن أمامنا درساً آخر، هو أن الاستثمار بالمعنى المشار إليه هو الباقى، وهو الواصل فى النهاية بأثره إلى عموم الناس!