سليمان جودة
كنت ضمن آلاف من المصريين، احتشدوا فى استاد مدينة لوسيل فى قطر، لمشاهدة مباراة منتخبنا الوطنى، مع منتخب ألمانيا، فى بطولة كأس العالم لكرة اليد!
المباراة جرت مساء الاثنين، بعد أن كان أداء المنتخب المصرى لافتاً للنظر فى كل المباريات التى شارك فيها من قبل، ومنذ بدء البطولة فى 15 يناير، باستثناء مباراته مع أيسلندا، التى خسرها، وكذلك مباراته مع السويد، التى تعادل فيها!
مع الألمان الأمر اختلف، وخرجنا من البطولة، بعد أن أحرزنا 16 هدفاً فى مرماهم، وأحرزوا هم 23 هدفاً فى مرمانا!
ورغم أنى حضرت عدة مباريات أخرى لمنتخبات مختلفة، منها مباراة السعودية مع ألمانيا مثلا، ومباراة الجزائر مع تشيلى، إلا أنى لم أشهد جمهوراً محتشداً فى الاستاد، بمثل ما حدث يوم مباراتنا نحن، وهو لم يكن جمهوراً محتشداً وفقط، وإنما كان يلعب بقلبه وكيانه مع فريقنا، وكان الحماس الملتهب هو سيد الموقف، وكانت أعلام بلدنا ترفرف فى كل اتجاه، وكان الأطفال، والنساء، والشباب، والرجال قد جاءوا من كل طريق يشجعون فريقهم، ويرددون اسم «مصر» ثلاثاً، وبصوت يزلزل فى أنحاء الاستاد، كلما اقترب فريقنا من إحراز هدف جديد!
كان أداء منتخبنا مع الألمان راغباً فى الفوز، وقوياً ورائعاً، ولكنه كان فى إمكانه أن يكون أقوى، وأن يكون أكثر روعة، بل أن يكسب الماكينات الألمانية نفسها إذا أراد، وخطط لما أراده جيداً، ولماذا لا؟!.. وقد ضاعت منا 12 فرصة لإحراز 12 هدفاً، كانت لو استقرت فى مرمى المنتخب الألمانى فإن فوزنا، عندئذ، كان مضموناً، وربما كان سهلاً، لولا أن هذا هو ما جرى!
وقد كانت هذه هى أول مرة أشاهد فيها عدة مباريات مجتمعة هكذا فى كرة اليد فأكتشف أنها لعبة ممتعة، وأن قلبك، كمشاهد لها، يظل معلقاً على خشبة المرمى، على مدى ساعة كاملة، هى مدة كل مباراة!
ظل قلبك هكذا، حتى ولو لم يكن منتخبك الوطنى يلعب، لأنك فى أى مباراة بين أى فريقين تكتشف مع الوقت أنك انحزت تلقائياً إلى واحد منهما، وأنك تتمنى فوزه، وأنك تلعب معه بمشاعرك، وأنك تعلو وتهبط، فوق مقعدك، تأثراً على قدر ما يكون مستوى الأداء من جانبه!
فإذا تعلق الأمر بالألمان، فى لعبة كهذه فسوف يتهيأ لك، وأنت تتابع أداءهم على أرض الملعب، وكأن وحوشاً فى صورة بنى آدمين تجرى، وتدافع، وتهاجم، وتقتنص الأهداف، بعد أن تكون قد حاصرت منافسها على نحو مدهش!
تسأل نفسك وأنت تتابع: أين تعلم هؤلاء الألمان هذه الدرجة الرفيعة من الأداء، ومتى؟! ولا تجد جواباً سوى أن أداء كهذا ليس نابعاً من فراغ، وليس استثناء عند الألمان عموماً، فهو هو الأداء ذاته عندهم، سواء فى كرة اليد، أو القدم، أو فى الصناعة، أو الزراعة، أو التكنولوجيا، أو فى أى ميدان.. وكأن النازى هتلر كان يدرك بعضاً من هذا المعنى، حين كان يرى فى أيامه، أنهم أرقى من كل أجناس البشر!
تذكرت الحديث الشريف الذى يقول- ما معناه- إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه، ولابد أنه يحزنك أن ترى أننا نردده كل صباح، ثم لا نعمل به، وأن قوماً كالألمان، على سبيل المثال، لا يؤمنون به، ولا يرددونه، ولكنهم يعملون به، ويتخذون منه، ومن روحه، أسلوباً للحياة فى كل مناحيها.. فليس ألمانياً من لم يتقن عمله.