سليمان جودة
أملى أن يلتفت الرئيس، وأن يلتفت مساعدوه، وأن يلتفت مستشاروه الذين عليهم أن يكونوا أمناء معه ومع البلد، إلى أننا نبدد ثرواتنا في كل صباح مرتين: مرة حين نعرف أن أمامنا أن نأتى بـ30 مليار دولار من السياحة، ثم لا نذهب إلى هذا الهدف مباشرة من حيث يذهب إليه العالم الناهض من حولنا، ومرة أخرى عندما نعرف أننا نبدد أكثر من عشرة مليارات من الدولارات على دعم الطاقة وحدها، ثم نسكت على هذا السفه، ولا نضع جدولا زمنيا أمام أعيننا للكيفية التي يمكن بها أن تأتى الـ30 مليارا، ويتوقف نزيف المليارات العشرة في وقت واحد!
أما كيف تأتى الـ30 مليارا، فلقد شرحت الطريق إليها على مدى أيام مضت في هذا المكان، وسوف أواصل شرح معالم هذا الطريق، بإذن الله، لعل الأمناء على البلد ينتبهون، وأما كيف يتوقف نزيف هذه المليارات، فلابد أن يكون لنا درس فيما قررته الإمارات قبل أيام، فلقد قررت رفع دعم الطاقة عندها نهائيا، ابتداء من أغسطس المقبل، ولقد أعجبنى جدا أن يقال في بيانهم الصادر هناك حول الموضوع إنهم يريدون حفظ ثروات البلد لأجيالهم المقبلة.. ثم أعجبنى أكثر أن يقول الوزير أسامة كمال، في الملف الممتاز الذي أعدته «المصرى اليوم» صباح الخميس عن هذه القضية الخطرة، إن الإخوة في الإمارات اكتشفوا أن دعم الطاقة البالغ 7 مليارات دولار يستفيد منه 4 ملايين إنسان، وأن منهم 750 ألف إماراتى فقط، وأن الباقى وافدون!
عندنا الموضوع قائم بالطريقة نفسها، ولكن بشكل مختلف، إذ لك أن تتصور أن السفير الأمريكى في القاهرة مثلاً يحصل على بنزين سيارته بالسعر نفسه المدعم الذي يحصل به عليه سائق الميكروباص، وأنه كسفير ينير بيته بالكهرباء ويدفع فيها السعر ذاته الذي يدفعه فيها أي مواطن يضىء منزله بلمبتين في أي قرية!!.. فهل هذا يجوز؟!.. وهل هذا عدل؟!.. وهل بمثل هذا التصرف نحفظ لأجيال مقبلة نصيبها في مثل هذه الثروات؟!
متوسط الدخل في الإمارات على مستوى المواطن أضعاف أضعاف متوسط الدخل عندنا، وهذا مفهوم تماما، ولابد أن المواطن الإماراتى لن يضره في شىء أن يرفع بلده دعم الطاقة عنه، لأنه كمواطن يستطيع أن يعيش من خلال دخله الطبيعى دون دعم، ولكن الأمر لدينا شديد الاختلاف، لأن متوسط الدخل أقل بكثير، فما العمل؟! العمل أن تبادر الدولة، منذ الآن، من فضلكم، لا منذ غد ولا بعد غد، بوضع برنامج عمل متكامل، وواضح، ويمشى على خطين متوازيين، واحد يرفع دعم الطاقة تدريجيا، وبنسب معلنة مسبقة، ثم مستوى آخر يرفع دخل المواطن بنسب أيضا تدريجية ومعلنة ومعروفة مقدما، ووقتها سوف نوقف إهدار المليارات، وسوف ننفق ثلثها، على سبيل المثال، في تحسين دخل الناس، ثم نذهب بالباقى لخزانة الدولة.. نحن أحوج أهل الأرض لدولار واحد.. فضلا عن المليارات!.