سليمان جودة
بحثت في تفاصيل الخبر المنشور على الصفحة الثالثة من «المصرى اليوم»، أمس الأول، عن سبب يجعل الدولة تقطع الغاز ابتداء من منتصف أغسطس المقبل عن شركة حديد «عز الدخيلة» فلم أجد.. وتوقعت أن أقرأ شيئاً مضافاً عن الموضوع، في صحف الأمس، فلم أجد شيئاً أيضاً!
بل قالت تفاصيل الخبر ما يجعلك تزداد حيرة في محاولة فهم أبعاد العملية على بعضها، وهو أن الشركة تسدد قيمة الغاز المتعاقد عليه، كاملة، رغم تخفيض الكميات الموردة للمصنع، منذ نحو ستة أشهر!
إن المرء يفهم أن ترفع الدولة سعر الغاز على هذه الشركة وعلى غيرها، ويفهم أن ترفع دعمها عن الغاز الذي تستهلكه هذه الشركة وغيرها، ويفهم أن تعاقبها إذا تأخرت في سداد المستحقات المتأخرة عليها.. ويفهم أي إجراء من هذه النوعية، في هذا الاتجاه، بشرط أن يتم اتخاذه عن حق، ودون ظلم، ولكنك بالقطع تظل عاجزاً عن فهم قرار بغلق الشركة بالضبة والمفتاح هكذا!
ولابد أن الشىء الذي سوف يثير حزنك، ويضاعف حيرتك، أن تعلم أن الدولة تشارك في الشركة بـ42٪، أي أن ما يقرب من نصف الشركة، إنما هو مال عام، ولذلك تبدو الحكاية من ظاهرها الذي نراه، وكأن القصد هو تحويلها من شركة رابحة إلى شركة خاسرة، ومن شركة تنتج ثلث حديد السوق إلى شركة مفلسة، ومن شركة كبيرة إلى شركة صغيرة، ومن شركة تدفع ضرائب عن أرباحها للدولة إلى شركة عبء عليها!
يحدث هذا، في وقت نظل نحن أحوج الناس فيه إلى تشغيل أي عامل في أي مكان، وإلى فتح أي باب رزق أمام أي باحث عن عمل، ثم إلى مضاعفة طاقة وقدرة الشركات الموجودة على العمل، وعلى الإنتاج، وتحفيزها بأى طريقة.
ولابد أن القائمين على الأمر في الدولة يعلمون تماماً أن عدد الشركات الخاسرة ليس في حاجة أبداً إلى شركة جديدة تضاف إليه، وأن المطلوب منا أن نعيد وبسرعة إحياء شركات كثيرة خسرت، ولاتزال، لا أن نضيف واحدة جديدة إلى القائمة، وبحجم «عز الدخيلة» الذي نعرفه جميعا!
أعرف بالطبع أن البلد يواجه أزمة في القدرة على توفير الطاقة المطلوبة، وأن الغاز الذي يتم ضخه يومياً إلى الشركة نوع من أنواع هذه الطاقة التي نواجه فيها أزمة، ولكن ما أعرفه أكثر أن قطع الغاز عنها، في التاريخ المذكور، ولو ليوم واحد، معناه غلق بيوت بكاملها، يعيش أصحابها على موارد رزق تأتيهم منها، ومعناه بث اليأس في صدور أصحاب هذه البيوت، إذا افترضنا أن بيوتهم سوف تظل مفتوحة، لا لشىء، إلا لأن قرار القطع في حد ذاته، وأياً كانت مدته، من شأنه أن يثير القلق في أعماق كل عامل أو موظف هناك، فضلاً بالطبع عن القلق العام في حياتنا الاقتصادية في إجمالها!
الغريب أن الخبر يقول إن القطع سوف يستمر لمدة شهر فقط، وإن ضخ الغاز سوف يعود بعد الشهر، بنسبة 70٪، وإنه سوف يعود كاملاً بعد وصول الغاز المستورد!
وبالتالى فالسؤال يظل في أساسه عن دواعى وقف ضخ الغاز أصلاً.. هل لأنه غير متوافر؟!.. هل لأن الدولة تحتاج المتوافر منه في مواضع أخرى؟!.. هل لأن هناك من يريد أن «يعكنن» على هذه الشركة تحديداً، بصرف النظر عن عواقب مثل هذه العكننة على مستوى الشركة ذاتها ومستوى الاقتصاد في عمومه؟!
أستبعد بالطبع أن يكون القرار له علاقة بشخص أحمد عز الذي يقف أمام القضاء الآن.. وسوف يكون للقضاء وحده أن يبرئه أو يدينه في النهاية، ولذلك، فلابد أن يخرج توضيح ممن يعنيهم الأمر في البلد، حتى لا يقع الظن في نفوس كثيرة بأن «الضغائن» صارت من مفردات الاستثمار عندنا!