سليمان جودة
قبل أسبوعين، كان المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، فى زيارة إلى منطقة دار السلام، حيث افتتح مستشفى هناك، عاد بعدها إلى لقاء مع قضاة مجلس الدولة، ثم طار من عندهم إلى شرم الشيخ، ومن بعد شرم عاد بالطبع إلى القاهرة.. وكان هذا كله فى نهار واحد!
يومها، نشرت صحيفة «الأخبار» تفاصيل الجولات المكوكية الثلاث، لرئيس حكومتنا، ثم وصفته بأنه بثلاثة أرواح!
وقبل أسبوع نشرت «المصرى اليوم» أن الرجل قام بـ150 جولة ميدانية، خلال ستة أشهر، وكان ذلك، بطبيعة الحال، فى مقام امتداحه، وإحصاء قدراته، وليس على سبيل الذم فيه.
وإذا كان لى رجاء عند المهندس محلب، بعد ذلك، فأرجوه أن يراجع، وبسرعة، طريقة عمله هذه، ليس لأننا ضد أن يتجول، ويزور، ويرى، وإنما لأنه يجب أن ينفق وقته فيما هو أثمن من هذا بكثير.
من حقه بالطبع أن يزور مواقع العمل، على امتداد الجمهورية، بل من واجبنا أن ندفعه إلى زيارات كهذه، وأن نطالبه بها، إذا لم يبادر بها.. غير أن هناك فرقاً هائلاً بين أن يفاجئ مواقع العمل، مرة مثلاً، فى كل أسبوع، بشرط أن تكون زيارة مفاجئة حقاً، وبين أن يزور ثلاثة مواقع فى يوم واحد، أو أن يزور 150 موقعاً فى ستة أشهر.. فارق كبير للغاية بين الحالتين، لأن مكان رئيس الحكومة، كما نرى فى الدنيا المتطورة من حولنا، هو مكتبه، لا الشارع.. وما عدا ذلك يكون استثناء، ولا يكون هو القاعدة بأى حال!
ثم إننى أسأل رئيس وزرائنا صادقاً: وأين يا سيدى دور البيه الوزير المختص، والبيه المحافظ المختص، والبيه رئيس المدينة المختص، والبيه رئيس الحى المختص.. وهكذا.. نزولاً إلى أصغر مسؤول؟.. إذ ليس لزياراتك المتكررة هذه من معنى، سوى أن هؤلاء جميعاً لا يقومون بما يجب أن يقوم كل واحد منهم فى مكانه، وأنهم مقصرون، ولا يستأهلون البقاء فى مواقعهم ساعة واحدة!
صدقنى.. لو ذهبت أنت فى زيارة من هذه الزيارات، ثم عدت لتقيل هذا المحافظ، أو ذاك الوزير من منصبه، لأنه لا يؤدى واجبه، فسوف ينتظم الأداء عندئذ تلقائياً، وسوف لا تكون فى حاجة أبداً إلى إنفاق كل هذا الوقت فى عرض الشارع.. افعلها، ولو مرة، وسوف ترى!
وهناك، فى النهاية، ما هو أهم بكثير، وهذا الأهم هو أن وظيفة رئيس الحكومة الطبيعية أن يفكر فى مكتبه، وأن يقضى أغلب يومه فى وضع رؤاه منظمة، ومرتبة على الورق، لينفذها من ورائه مسؤولوه.
ولست أخفى عليك أنى صادفت كثيرين يتساءلون فى حيرة: متى يجلس رئيس الحكومة مع نفسه، ومع فريق العمل فى مكتبه، ومع مستشاريه ليفكر، وليضع «الرؤية» التى لابد أن يراها الناس، فيما بعد، مجسدة فى أفعال حية على الأرض؟!
ولم أعرف بماذا أجيب، لأنى أراك تجد، بالكاد، بضع ساعات، على مدار اليوم، لتلتقط أنفاسك فيها.. فمتى إذن تجلس لتفكر؟!
الأصل فى عمل رئيس الوزراء عقله لا جسده!