سليمان جودة
لأنى متحمس للمهندس إبراهيم محلب، منذ اللحظة التى أصبح فيها رئيساً للحكومة، ولأنه يعرف ذلك، فإننى أصارحه صادقاً، بأنى كنت أتوقع منه مساندة أقوى للدكتورة درية شرف الدين، وزيرة الإعلام، فى مواجهة هجمة شرسة جاءتها من أكثر من اتجاه!
أقول هذا، لأنى حين وقعت عيناى على الخبر العاجل الذى بثته القناة الأولى، مساء الاثنين، والذى كان يقول إن مجلس الوزراء ينفى إلغاء مذكرة التفاهم التى جرى توقيعها بين اتحاد الإذاعة والتليفزيون من ناحية ومجموعة «إم. بى. سى» من ناحية أخرى، قد أحسست لوهلة بأن مجلس الوزراء يقف موقف المتهم، لا صاحب الحق، وأنه يرد على استحياء لا محل له من الإعراب!
ذلك أن رئيس الحكومة إما أنه يثق فى وزيرة إعلامه، وفيما تقوم به فى عملها، فيدعمها بالتالى إلى آخر مدى، وإما أنه لا يثق فيها، فيتخلى عنها، ولا حل آخر فى المنطقة الوسط!
والمؤكد أن الوزيرة عندما شهدت توقيع المذكرة إياها، كانت تدرك جيداً ماذا تفعل، والمؤكد أيضاً أنها لم تستيقظ من نومها فجأة - مثلاً - لتشهد توقيع المذكرة، وإنما هى قطعاً أعدت لذلك، مسبقاً، وعرفت فى أى اتجاه تخطو!
وقد كنت دائماً أقول إن وزراء ما بعد 25 يناير فى حاجة بوجه عام إلى تحصين من نوع ما ليتمكن كل واحد فيهم من اتخاذ قراره المطلوب، وهو مطمئن.. وإلا.. فهل نتوقع أن يتصرف وزير الزراعة الحالى، على سبيل المثال، بشجاعة مطلوبة فى مكانه، وهو يرى أن ثلاثة وزراء سبقوه قد انتهوا إلى السجن؟!
وبالمنطق ذاته، فإن وزيرين سابقين للإعلام انتهى بهما الحال إلى الزنزانة، وهى مسألة لا أظن أنها تغيب عن بال الوزيرة الحالية فى أى لحظة!
وما هو مؤكد أكثر أن وزيرة الإعلام ليست فى حاجة إلى أحد يعطيها دروساً فى مقتضيات الأمن القومى وأحواله، كما أن اعتقادى أنها، مع رئيس الحكومة، ومع سائر أعضائها، يعرفون جيداً ماذا يعنى الأمن القومى، وماذا عليهم أن يفعلوا من أجل الحفاظ عليه.
وقد كنت أنتظر من الذين فتحوا نارهم على الوزيرة، بسبب المذكرة إياها، أن يبحثوا عن سبب آخر للهجوم يكون مقنعاً لنا، بخلاف حكاية الأمن القومى هذه، التى لم تكن فى الحقيقة سوى غطاء لأهداف أخرى يعرفونها ونعرفها.. لماذا؟!.. لأن الذين تابعوا الهجمة قد تساءلوا بصدق عما إذا كانت اعتبارات الأمن القومى قد غابت تماماً عن البلد كله، وعن كل مسؤول فيه، ثم حضرت بهذا الشكل المدهش عند الذين عارضوا المذكرة وحدهم؟!
لست ضد القنوات الخاصة، ولا ضد أن تعمل، وتنجح وتتوسع، ويكسب أصحابها الملايين.. بالعكس.. إننى مع هذا كله وأبصم عليه، بشرط أن تكون هناك أصول حاكمة، وقواعد مرعية، وألا نخلط الخاص بالعام، متصورين أن الخلط يمكن أن ينطلى على الناس، وأن يمر، ثم بشرط آخر، هو أن يؤدى الإعلام حق الدولة فى مكاسبه، وأن يكون ذلك معلناً على الناس بالقرش والمليم!
إعلام الدولة، رغم الملاحظات التى هى بلا حصر عليه، وعلى أدائه، يستحق، بل ينتظر من يسنده، ليقف على قدميه، بدلاً من أن يجلده، وليست مذكرة التفاهم، فى حقيقتها، سوى عصا يتساند عليها الإعلام الرسمى لهذا الوطن، ليستعيد مشاهديه. ورغم أن هذا حق أصيل له، ورغم أن له أن يضع إصبعه فى عين كل من يعترض على ممارسة هذا الحق من جانبه، إلا أنى شعرت، وقد أكون على خطأ، بأن تلك الهجمة لم تكن فقط لاختطاف شىء مشروع ذاهب إلى إعلام الدولة، وإنما لرغبة كامنة فى القضاء عليه بالأساس!.. وهو ما لن يكون!
"المصري اليوم"