المفارقة المدهشة فى اليمن أن ما قامت، وتقوم به، السعودية مع الدول المتحالفة معها، ضد الجماعة الحوثية هناك، كان يجب أن يقوم به الشعب اليمنى نفسه، باعتبار أنه صاحب المصلحة الأولى فى ألا تتغول تلك الجماعة إلى حد ابتلاع البلد كله!
وبشكل ما، فإن ما جرى من جانب الجماعة الحوثية، على الأرض اليمنية، يشبه إلى حد كبير ما كان قد جرى ذات يوم من جانب الجماعة الإخوانية، على الأرض المصرية، وأكاد أقول إنه كان هناك تطابق، وليس مجرد تشابه بين الحالتين، وبين مسلك الجماعتين فى البلدين!
وقد كنا أمام فارق واحد مهم، هو أن الجماعة الإخوانية هنا تسللت عبر انتخابات لاتزال نزاهتها موضع شك كبير إلى الآن، وليس أدل على ذلك، من كلام المستشار عبدالمعز إبراهيم، عضو لجنة انتخابات الرئاسة وقت فوز مرشح الإخوان، عن أنه رفض التوقيع على محضر إعلان النتيجة!
جماعة الإخوان تسللت عندنا بأساليب كثيرة، لم يتضح أغلبها بعد، وسوف يأتى يوم نعرف فيه كاملاً، ماذا جرى بالضبط فى الكواليس، حتى تتسلم الجماعة بلداً بحجم مصر، وفى قضمة واحدة هكذا!.. سوف يأتى!
فى اليمن.. اختلف الوضع، لأن الجماعة الحوثية أرادت أن تصل بالسلاح، وبالقوة، وبالعافية، إلى نفس ما وصلت إليه جماعة الإخوان لدينا بكل ألوان الكذب، والخداع، والتآمر!
وقد جاء رد فعل المصريين على نحو ما رأينا، وعلى نحو ما رأى العالم معنا، فى 30 يونيو 2013، ثم إلى اليوم!.. وقد كان الأمل، أن يكون رد فعل الشعب اليمنى ذاته، على تغول، ثم توغل الجماعة الحوثية، مماثلاً، أو حتى مشابهاً، لرد الفعل الشعبى المصرى، الذى رفض أن تستحوذ جماعة إخوانية كاذبة على مقدرات بلد بوزن بلدنا.
لماذا، إذن، لم يتحرك اليمنيون؟! ولماذا لم يكن الأمر بأيديهم هم، لا بأيدى المملكة السعودية، ولا بأيدى غير المملكة؟!.. وما الذى كان ينتظره الإخوة فى اليمن، وهم يرون مسلحى الجماعة الحوثية يحكمون السيطرة على عاصمة البلاد، ويحددون إقامة الرئيس، ورئيس وزرائه، ثم يطاردون الرئيس نفسه، حين نجح من الإفلات منهم فى اتجاه عدن، فى أقصى الجنوب؟!.. ما الذى كان اليمنيون يقفون فى انتظاره؟!.. وما الذى كانوا ينتظرونه، وهم يرون بأعينهم أن السلطة تحولت عند الجماعة الحوثية إلى هدف فى حد ذاته، وهو بالضبط ما حدث مع الجماعة الإخوانية فى القاهرة فكان ما كان مما نذكره جميعاً؟!
الإجابة هى أن رجلاً اسمه على عبدالله صالح كان سبباً فى هذا كله، لأنه من خلال حزب المؤتمر الذى يرأسه، قد راح يتحالف مع الجماعة الحوثية، بل ويأمر رجاله الذين رباهم فى الجيش، وفى الشرطة، على مدى 33 سنة له فى الحكم، بأن يفتحوا الطريق أمام الجماعة، وأن يساعدوها، وأن يقفوا معها، ولابد أنها جريمة متكاملة الأركان فى حق وطنه، ولابد أن الواحد منا يتمنى لو يرى ذلك الرجل معلقاً من قدميه فى وسط صنعاء!
لا أمل، بكل أسف، فى أن يعود «صالح» عن طريق الهلاك الذى اختاره، ليس فقط لنفسه، وإنما لبلده معه، ويبقى الأمل، بالتالى، فى أن يفيق اليمنيون أنفسهم، وأن يدركوا، وإن كان الإدراك سوف يأتى عندئذ متأخراً، أن دوراً مهماً يقع عليهم هم، فى مواجهة الجماعة الحوثية، وأن إعادتها إلى حجمها الحقيقى، فى منطقة صعدة بالشمال، حيث عاشت طول عمرها، هى عملية تخص كل يمنى محب لبلده، وهو بالتمام ما كان من كل مصرى، إزاء الجماعة الإخوانية، حين تصورت أن بإمكانها أن تستحوذ على البلد!
على اليمنيين أن ينتفضوا، بمثل ما انتفضنا نحن هنا، وأن يقولوا للجماعة الحوثية بأعلى صوت، إن اليمن لكل أبنائه، بمن فيهم الحوثيون أنفسهم حين يلقون سلاحهم، وليس اليمن أبداً لجماعة هى مجرد ركن من أركان كثيرة فيه!
اليمنيون فى حاجة إلى أن ينعشوا ذاكرتهم، وأن يذكروا ماذا فعل المصريون فى مواجهة جماعة لا تختلف فى وجوه كثيرة عن جماعة الحوثى!
يا كل يمنى: جماعة الحوثى هى هى جماعة بديع!